لا تحرقوا في نور الألوهية ، الأول خطاب القلب ، والثاني خطاب الروح ، والثالث خطاب العقل الأول وقوله : (إِنَّ رَبَّكُمُ) قوله : (اللهُ) وقوله : (الَّذِي) ثم أنزلهم من الشهود إلى الشواهد ، وخاطبهم على قدر عقولهم حيث أحالهم من القدم إلى الحدث لعلمه لضعفهم عن حمل بوادي طارقات سطوات الوحدانية ، قال : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) جعل الآيات مرآة الصفات لأهل المشاهدات خلقها في ستة أيام ، أيام الله قضاء الله وقدره ، احضرها بأيام مخصوصة وهي الستة ، وكل يوم من أيامه ظهور صفة من صفاته ، من مطلع القدم طلعت للعدم لكون الحدث ، وهذه الأيام الستة ظهور ست صفات من صفاته ، أولها العلم ، والثاني القدرة ، والثالث السمع ، والرابع البصر ، والخامس الكلام ، والسادس الإرادة ، كملت الأشياء بظهور أنوار الصفات الستة ، ولما أتمّها صارت الحدثان كجسد آدم بلا روح من صفاته السابعة ، وهي حياته القديمة الأزلية الباقية المنزّهة عن همهمة الأنفاس ، والمشابهة والقياس ، فقامت الأشياء بصفاته القائمة بذاته ، ويكون الأبد لحياتها بروح حياته المقدسة عن الاتصال والانفصال ، وفي أدق الإشارة السماوات الرواح ، والأرض الأشباح ، والعرش القلوب.
بدأ بكشف الصفات للأرواح ، وبدأ بكشف الأفعال الأشباح ، ثم بدأ بكشف الذات للقلوب ؛ لأن مناظر القلوب محل الغيوب ، والغيوب من القلوب محل تجلّي استواء القدم استويّ قهر القدم بنعت الظهور للعدم ، ثم استويّ تجلّي الصفات على الأفعال ، واستويّ تجلّي الذات على الصفات ، فاستويّ بنفسه لنفسه على نفسه المنزّهة عن المباشرة بالحدثان والاتصال والانفصال عن الأكوان وبالأكوان ، الاستواء صفة ذاتية خارجة عن مطالعة الخليفة خصّ السماوات والأرض بتجلّي الصفات ، وخصّ العرش بتجلّي الذات السموات والأرض ، جسّد العالم والعرش قلب العالم والكرسي دماغ العالم ، خصّ الجميع بالأفعال والصفات ، وخصّ العرش بظهور الذات لأنه قلب الكل ، وهو غيب الرحمن وعلمه وحكمته ، رأيته في المكاشفة أنوار شعشعانية بلا جسم ولا مكان ولا صورة يتلألأ ، فسألت عن ذلك ، فقيل لى : هذا عالم يسمى عرشا.
قيل في التفسير : عرشه علمه ، كقول ابن عباس في تفسير قوله : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ) [البقرة : ٢٥٥] ، أي : وسع علمه ، ثم رجع إلى ذكر الأفعال لبقاء الأرواح والأشباح بقوله : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ) بدأ بذكر الليل لأنه ستر الأولياء ، وحجال الأصفياء ، وملجأ النقباء ، وخيام عرائس أهل المناجاة بلبس القبض البسط ؛ لأنها ضدان ويقبض ويبسط الليل قبض العارفين ، والنهار بسط المشاهدين