فإني أعذبك عذاب الأبد ، فقال : أولست تراني في عذابك لي ، قال : بلى ، فقال : فرؤيتك لي تحملني على رؤية العذاب ، افعل بي ما شئت ، فقال : أجعلك رجيما ، قال إبليس : أوليس لم يحامد سوى غيرك ، افعل بي ما شئت.
(يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) أي : اسكن في جواري من قطيعتي ، وإن تصيبك خطيئة ، فإن في عصيانك في دار العصمة عذر عصاة أولادك من أهل التوحيد في دار المحنة ، واشتياقك إلى نعيمي بعد هجرانك من جواري ، وبلوغك بعد فنائك في القدم إلى لقائي.
وأيضا أوصاه بالتمكين عند خداع إبليس ومكره ؛ حتى لا يزول قدمه عن مقام التمكين بمقالة العين.
وأيضا أراد الله أن يعصيا فوكّلهما إلى أنفسهما ، وعزلهما عن القربة بإدخالهما في الجنة ؛ لأن آدم وحوّاء طفلا الزمان ، لا يستقران في جبروت الرحمن ، فألجأهما إلى أكل ثمار أشجار الجنان لإفراد القديم عن الحدثان ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : (وَكُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما).
وقال القاسم : السكون في الجنة وحشة من الحق ، وأنه ردّ المخلوق إلى المخلوق ، وهو ردّ النقص إلى النقص ؛ لامتناع الأزل عن الحوادث.
وقال بعضهم : ردّهما في السكون إلى أنفسهما ووكّلهما إليها ، فقال : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) ، وفي دعاء المخلوق إلى المخلوق ، إظهار العلل بمعونات الطبع.
(وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) : أخفى الله تعالى في الشجر أسرار الربوبية لآدم وحواء ، ومنعهما عن قربها ؛ حتى لا يشوّش عليهما عيش الإنسانية ، ولكن هيّجهما بمنعهما عن قرب الشجرة إلى طلب تناولها ، فلمّا قربا الشجرة ، كسا الشجرة أنوار القدس ، وتجلّى الحق سبحانه لهما من الشجرة ، كما تجلّى من شجرة موسى لموسى ، فعشقا الشجرة ووقعا فيها ، ونسيا ذكر النهي عن قربها.
قال ابن عطاء : نهى عن جنس الشجرة ، فظنّ آدم أن النهي عن المشار إليه ، فتناول على حد النسيان ، وترك المحافظة لا على التعمّد والمخالفة (١).
__________________
(١) قال الشيخ نجم الدين ـ قدسسره ـ : إن آدم خاطبه مولاه خطاب الابتلاء والامتحان والنهى نهى تعزز ودلال كأنه قال يا آدم أبحت لك الجنة وما فيها إلا هذه الشجرة فإن الإنسان حريص على ما منع فسكنت نفس آدم على حواء وإلى الجنة وما فيها إلا إلى الشجرة المنهي عنها لأنها كانت مشتهى القلب ، وكان للنفس فيها حظ ولا يزال يزداد توقانه إليها فيقصدها حتى تناول منها فطر سر الخلافة والمحبة والمحنة والتحقق بمظاهر الجمال والجلال كالتواب والغفور والعفو والقهار والستار. والحاصل أنه لما