(٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٩))
وقيل : غلب علمه على علم الملائكة ؛ لقوة مشاهدة الخطاب من غير واسطة في قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) (١).
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) : ألبس الملائكة لباس العبودية ، فأعجبوا بعبادتهم ، وألبس آدم لباس الرؤية ، ورقم عليه طراز صفاته ، وعرضه على الملائكة ، فرأوه ملتبسا بلباس الحق ، فخجلوا عن تعجّبهم بعبادتهم ، فأمرهم الله بسجود آدم تغييرا لهم ، وتعليما أن عبادتهم لا تزيد بالربوبية ، ولا تنقص عن الألوهية.
وأيضا لما خلّقه بخلقه ، وصوّره بصورته ، وألبسه أنواره ، ونفخ فيه من روحه ، وأسكنه جنته ، وأجلسه على سرير مملكته ، فأسجد له ملائكته ؛ حتى أكمل له في العبودية صفات الربوبية ، فلما سجد الملائكة لآدم ، فأبى إبليس عن السجود ؛ لأن الملائكة رأوا فيه سرّ الله تعالى ، وعليه لباس الله مصبوغا بصبغ الله ، ولم ير إبليس ما كشف لهم ، فأبى واستكبر من غضب الله عليه ، وكان من الكافرين ، أي : في سابق علمه من المطرودين.
وقال ابن عطاء : لما استعظموا تسبيحهم وتقديسهم ، أمرهم بالسجود لغيرهم ، يريهم به استغناؤه عنهم وعن عبادتهم.
قال الحسن بن منصور : لمّا قيل لإبليس اسجد لآدم خاطب الحق فقال : ارفع شرف السجود عن سرّي إلا لك في السجود ، حتى أسجد له إن كنت أمرتني فقد نهيتني ، فقال له :
__________________
(١) قوله تعالى : (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) يعني : الصور التي تجلّى فيها الحق إن كنتم صادقين في قولكم : (نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ) ، كأنه قال لهم : وهل سبّحتموني بهذه الأسماء التي تقتضيها هذه التجلّيات التي أتجلّاها لعبادي؟ وإن كنتم صادقين في قولكم : ونقدّس ذواتنا عن الجهل بك ، فهل قدّستم ذواتكم لنا من جهلكم بهذه التجلّيات وما لها من الأسماء التي ينبغي أن تسبّحوني بها؟ فقامت عليهم الحجة في ادّعائهم الإلهيّة ، فقالت بعد العلم : (لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا) ، واعترفت بالكمال الذي غاب عنها هذا ، وقد قال تعالى لها : إنه خليفة ، فكيف بها لو لم يقل لها ذلك ، فلم يكن ذلك إلا لبطونه على الملائكة.