وأنشد في هذا المعنى :
شهور ينقضين وما شعرنا |
|
بأنصاف لهن ولا سراري |
فصاح الشيخ صيحة وخرّ مغشيا عليه ، ثم قام بعد ذلك وتأوه ومزق قميصه ، وقال : واويلاه أن آدميين لم يعلما في عشقهما ومشاهدتهما العتمة من الصباح ، ولم يشعر آلام الثلج في البرد ، وأنا أدعي حب خالق الخلق ، وأكون بهذه الصفة غافلا ، أنشد الحلاج في بلائه حين رؤية مبليه.
وحرمه الود الذي لم يكن |
|
يطمع في إفساده الدهر |
ما نالني عند نزول البلاء |
|
بؤس ولا مسني الضر |
وقولهم : (أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ) لأن الماء ضد النار ، أي : يا أهل القدرة في الحضرة أفيضوا علينا من مياه الشفقة ، وما رزقكم الله من مقام الشفاعة.
قال بعضهم : (أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ) أي : ماء الرحمة أو ممّا رزقكم الله من القربة.
وقال الأستاذ : لا يسقيهم قطرة مع استغنائه عن تعذيبهم وقدرته على أن يعطيهم ما يريدون ، ولكن قهر الربوبية وعزّ الأحدية وأنه فعّال لما يريد لم يرزقهم اليوم من عرفانه ذرة لا يستقيم غدا في تلك الأحوال قطرة ، في معناه أنشدوا :
وأقسمن لا يسقينا أمر شربه |
|
ولو زخرت من أرضهن بحور |
وقال : إنما يطلبون الماء ليبكوا به لأنه نفذت دموعهم كما قال لهم :
يا نازحا نزحت دمعي قطيعته |
|
هب لي من الدمع ما أبكي عليك به |
(وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣) إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)