ينظر إليهم أهل الجحيم فيحتملون برؤيتهم أثقال العذاب ، وينظر إليهم أهل الجنة فيستزيدون من وجوههم سرور العيش ، وهم يشفعون على كل مقصر ، وينعمون على كل متوفر والدليل على ذلك قوله تعالى : (وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) السلام منهم عليهم زيادة قربه أهل الجنة وقوله تعالى : (لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ) يعني أهل الأعراف من أعظم شأنهم عند الله في حضرته وقفوا شفاعة الخلق ، وهم يطمعون أن يدخلوا الجنة ، ويعيشون مع عوام الجنة كالملوك يجلسون مع أهل الدناءة ، لتطييب قلوبهم ، والفرح بملكهم.
روى أبو الحسن الفارسي عن سهل بن عبد الله يقول : أهل المعرفة هم أصحاب الأعراف قال الله : (يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) (١) أقاموهم لإشرافهم على الدارين وأهلها ، يعرفهم الملكين كما أشرفهم على أسرار العباد في الدنيا وأحوالهم.
ويقال : عرفوهم غدا بسيماهم التي وجدوهم عليها في دنياهم ، فأقوم موسومين بأنوار القرب وآخرون موسومون بآثار الرد والحجب.
وقال الأستاذ : هؤلاء أصحاب الأشراف خصوا بأنوار البصائر اليوم ، وأشرفوا على مقادير الخلق بأسرارهم ، وأشرفوا غدا على مقامات الكل وطبقات الجميع بأبصارهم.
قوله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) إن من لطف الله وكرمه على خلقه أن رفع الحجاب من الجنة لأهل النار حتى يحتملوا آلام العذاب برؤية الجنان وأهلها ، وهذا من ألطافه الخفية.
ألا ترى إلى عاشق ينظر إلى وجه معشوقه ، وهو في وسط الثلج والزمهر فلا يجد آلامه لما وجد من حلاوة مشاهدة معشوقه ، اذكر شأن صويحبات يوسف عليهالسلام كيف قطعن أيديهن في مشاهدة يوسف عليهالسلام ، وما شعرن في مشاهدته آلام القطع سمعت أن بعضا من المشايخ مضي إلى مسجده بقرب داره بين المغرب والعشاء ، وكان ينزل الثلج فرأى شابا تحت منظر يتكلم مع معشوقه على المنظر ، وهما غائبان في حديثهما عن رؤية الشيخ حتى صلى ورجع ، فلما حان وقت الصبح ومضى إلى قربهما فرآهما واقفين بين الثلج ، والثلج بلغ إلى وسطهما ومع شيخ سراج ، فقالت المعشوقة لعاشقها : مر يا حبيبي ، فإن الشيخ يمضي إلى صلاة العتمة
__________________
(١) يعنى أصحاب الأعراف يعرفون أهل الجنة والنار بما يتوسمون في سيماهم من آثار نور القلب وظلمته وسيمت الأعراف أعرافا لأنها مواطن أهل المعرفة ، وإنما سمى الله أهل المعرفة رجالا لأنهم بالرجولية يتصرفون فيما سوى الله تصرف الرجال في النساء ولا يتصرف فيهم شيء منه ، تفسير حقي (٤ / ١٥٥).