المنعم مفضلا عليهم بكشف النقاب ورفع الحجاب : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ) أي : هدانا بنفسه إلى نفسه بسبق عنايته لنا في أزلة.
قيل : فيه دلّنا على توحيده ، وجعلنا في سابق علمه من خواص عباده ، واختار لنا أعز الأديان ، ولو وكلنا إلى اختيارنا لضللنا في أول لحظة.
وقال بعضهم في هذه الآية : رؤية الهيبة توقع قبضا في الأحوال وربما تورث بسطا والعبد متردد فيما بينهما من قبض وبسط ، وحال البسط أورث قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا).
وقال ابن عطاء : لمّا نظروا إلى هداية الحق إياهم نسوا أفعالهم وطاعاتهم وعرفوا المنّة عليهم فقاموا مقام الشكر.
(وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦) وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩) وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٥١))
قوله تعالى : (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ) إن لله عبادا في الدنيا قلوبهم تطير في الملكوت ، وأرواحهم تطير في أنوار الجبروت ، وعقولهم تستشرق على الأسرار ، وأسرارهم تطلع على الأنوار ، فيرون بنور الله بالله من العرش إلى الثرى ، ويعرفون جميع الخلائق بسمات البعد والقرب التي تظهر من وجوههم ، وهي منقوش خاتم السعادة والشقاوة الذي لا يقرأه إلا عارف رباني ، ولهذا أشار عليهالسلام بقوله : «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» (١).
وهؤلاء على أعراف ذروة شرفات الحضرة يوم القيامة ، مطلعون على أحوال الدارين
__________________
(١) رواه الترمذي (٥ / ٢٩٨).