تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) ، والأخرى قوله : (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ).
قال ذو النون المصري : إن كان هو يراك من حيث لا يراه فإن الله يراه من حيث لا يرى الله فاستعن بالله عليه ، فإن كيد الشيطان كان ضعيفا وبكرمه وفضله صرف الشيطان عن أوليائه وجعلهم أحباء أعدائه وحث الأولياء بعداوتهم جميعا بقوله : (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) أضاف الكل إلى نفسه جعل ألفة الأولياء في قلوب المؤمنين وجعل ألفة الفساق في قلوب المفسدين فلا تضر عداوتهم أولياءه ؛ لأنهم في عين رعاية الأزل من شرهم.
قال ابن عطاء : (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ) ، (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ) فالحقيقة منها ما أضاف إلى نفسه والمعارف ما أضاف إليهم ، كذلك خطابه في جمع القرآن ولمّا انصرف القوم عن طريق العدل والإحسان ومتابعة الحق في طلب الغفران وتابعوا سلاك الضلال ، أمر الله صفيه عليه عليهالسلام أن يظهر لهم ما يليق بحضرته تعالى من العدل والإخلاص والتوحيد والتوجه من كل شيء دونه بقوله : (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) (١) القسط استواء السرّ بنعت التجريد ، والتقديس عن الحدث في رؤية القدم بحيث لا يكون في البين من حظ النفس شيء ؛ لأن هناك حظ النفس وجد أن حلاوة برد المشاهدة وحظ الله هناك احتراق النفس في نيران التوحيد حين أبرز الحق للسرّ أنوار عزّة الأزل فيستوي بنعت الاستقامة على وصف صفات الأزلية.
ألا ترى كيف فتح أبواب الإحلال في كشف الجلال لأهل شهود الغيب ودعاهم إليها بنعت الانقطاع عن الالتفات إلى الحدثين بقوله : (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) أي : حيث يبرز لكم أنوار القدرة وسنا المشاهدة ضعوا وجوهكم على تراب فناء العزّة على وصف رفع الأغيار من ساحة الأنوار عند التضرع والدعاء ؛ فإن الدعاء شوق القلب إلى لقاء الرب بحيث لا يرى في البين غير الرب بإشارته ، (وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) صافين عن كدورة الحدث والنظر إلى الغير ، فإذا تم هذه الصفات تم حقائق العبودية التي سماها الله
__________________
(١) القسط العدل ، ويقع ذلك في حق الله تعالى ، وفي حق الخلق ، وفي حق نفسك ؛ فالعدل في حقّ الله الوقوف على حدّ الأمر من غير تقصير في المأمور به أو إقدام على المنهيّ عنه ، ثم ألا تدخّر عنه شيئا مما خوّلك ، ثم لا تؤثر عليه شيئا فيما أحلّ لك ، وأمّا العدل مع الخلق ـ فعلى لسان العلم ـ بذل الإنصاف ، وعلى موجب الفتوة ترك الانتصاف. وأمّا العدل في حق نفسك فإدخال العتق عليها ، وسدّ أبواب الراحة بكل وجه عليها ، والنهوض بخلافها على عموم الأحوال في كل نفس. تفسير القشيري (٢ / ٣٦٢).