طوارق القهر في ليلي امتحان العبد يتبعها بوسوسة وإلقاء مزخرفاته إليه ، والأفاني له القدرة على إغواء العباد وليس إليه الضلال وفي كل موضع يرى أنوار العناية ونيران المحبة نحسا من هناك خوفا من احتراقه في تلك النيران والأنوار.
سئل بعضهم : ما الذي قطع الخلق عن الحق بعد إذ عرفوه؟ فقال : الذي أخرج إياهم من الجنة اتباع النفس والهوى والشيطان.
قال ابن عطاء : خروج آدم عليهالسلام من الجنة وكثرة بكائه وافتقاره ، وخروج الأنبياء من صلبه خير له من الجنة والتنعيم والتلذذ بنعيمهما.
وقيل في قوله : (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما) : هو أنوار القرب ولعان العزة.
قال أبو سعيد الخراز : هو النور الذي شملهما في القرب.
قال النصر آبادي : أحسن اللبسة ما ألبس الصفي في الحضرة فلمّا بدت منه لمخالفة نزع عنه.
لذلك قال بعض السلف : من تهاون سر الله عليه أنطقه الله بعيوب نفسه.
قال الأستاذ (١) : من أطغى على وسواس نفسه بإسراع الهوى وحد الشكلية بين وساوس الشيطان وهواجس النفس ، فيتناصر الوسواس والهواجس وتصير خواطر القلب ، وزواجر العلم معمورة مقهورة ، فعن قريب تشتمل تلك الوساوس صاحبهما وينخرط من سلك موافقة الهوى فيسقط في مهواة الزلة ، فإذا لم يحصل تدارك يوشك التوبة صارت الحالة قسوة والقلب إذا قسا فارقته الحياة وتم له البلاء.
وزاد تعالى تحذيره من الشيطان ، وبيّن أنه يسترق من حيث لا يراه الإنسان بعقيب بقوله الآية : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) أراد أن الشياطين ينظرون إلى العبد من حيث يأتي عليه مقادير المشيئة بنعت الامتحان ، فإذا يرون قضاء عليه يتبعونه بقصد الإغواء والعبد لا يرى ذلك مادام وراء حجب شهوته ، ولا يرى الشياطين مادام في ظلمات طبعه ؛ فيفعل به ما كان من صنيعهم فإذا خرج من ظلمة النفس والهوى إلى ساحة الحضرة وينظر إلى أسماء الغيب ويلتجئ إلى قرب مولاه من شر نفسه وشياطينه يبصره الله الشياطين ومكائدهم فيلقي إليهم من قارورة الاستعاذة ميزان المحنة ؛ فيحرقهم جميعا بتأييد الله قال تعالى في ذلك من نيرات كتابه آيتين واضحتين الأولى في وصف رؤيتهم مواقع حيلهم وأشكالهم ، الأولى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ
__________________
(١) في تفسيره (٢ / ٣٥٠).