وقوله تعالى : (يُوارِي سَوْآتِكُمْ) أي : كلكم عريان من أنوار القدم بادي سوءة الحدث ؛ فينبغي أن تستروا بلباس القدم سوءة الحدث ، وبلباس العلم سوءة الجهل ، وبلباس الربوبية سوءة العبودية.
قال الواسطي : السوءة الجهل ، وأزين الزينة أن يزين العبد بالتقوى ، ولباس التقوى وقاية لا يخرقها كيد حاسد ، والتقوى لباس القلب علامتها الورع ، والتقوى الأدب مع الله ، وهو ألا يرى مع الله غير الله فانظر ، أي : القميص لبس قميص الصدق أو قميص الفسق أو قميص النسك.
وقال النصر آبادي : للباس كلها ملك الحق ولباس التقوى لباس الحق قال الله تعالى : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ) واللباس الذي يواري السوءة لباس الكرامة ، ولباس التقوى لباس الإيمان وهو أشرف.
وقال بعضهم : لباس الهداية للعوام ، ولباس التقوى للخواص ، ولباس الهيبة للعارفين ، ولباس الزينة لأهل الدنيا ، ولباس اللقاء والمشاهدة للأولياء ، ولباس الحضرة للأنبياء.
وقال الأستاذ : للقلب لباس التقوى وهو صدق القصد بنفي الطمع ، وللروح لباس أمن التقديس وهو ترك العلائق وحذف العوائق ، وللسر لباس من التقوى وهو نفي المساكنات والتصاون من الملاحظات (١).
ثم إن الله سبحانه حذر بني آدم بما حذر آدم عليهالسلام من متابعة الشهوات وطلب المألوفات بقوله : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) أي بطول الأمل والطمع في البلوغ إلى كبر السن ورغد العيش في المال والجاه.
كما طمع آدم عليهالسلام في الخلد والإقامة في الجنة ؛ لأنها تخرج العبد من مقام القدس والأنس إلى عالم الكدورة والوحشة ، كما كان حال آدم عليهالسلام ، وأن هذه الأشياء ينزع كسوة الأنوار عن سرّه وتصيره عريانا من لباس التقوى الذي ذكره الله.
هاهنا (يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما) إذا كان العبد متابعا للهوى نفسه وهوى شيطانه لشهوته ، وطلب حظه ينزع عنه لباس صفاء العبادة ويجرّد من نور الحضرة ، ويبدو له علل الإنسانية بنعت غلبتها عليه فإنها طوارق ليلة الهجران فيرى فيها تلك السوءة أضاف نزع لباسهما وإخراجهما من الجنة إلى العدو وفي الحقيقة هو واسطة القهر إذا يرى
__________________
(١) انظر : تفسير القشيري (٢ / ٣٥٩).