إلى زيادة الزلفة كأنه صدق الملعون في حلفه ؛ لأنه رأى تلك الزيادة له بسبب أكل الشجرة ، لكن لم تكن نصيحته بالإخلاص ؛ لأنه خامر الحسد بالنصيحة فصار من الخائنين ، (وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ) [يوسف : ٥٢].
قال أبو بكر الوراق : لا تقبل النصيحة إلّا ممّن تعتمد دينه وأمانته ، ولا تكن له حظا في نصيحته إياك ، فإن العدو أظهر لآدم عليهالسلام النصيحة وأضمر الخيانة ، قال الله : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ).
(فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤))
قوله تعالى : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) (١) خادعهما حين أخبرهما أن في الشجرة أسرار الربوبية فدلهما إلى غرور الاطلاع على أسرار القدم ؛ ليكونا أقرب من المقربين الذين هم سفر الملكوت ، وخزان خزائن الجبروت ، وغرور ذلك أوقعهما في بلاء أسفار القدم والبقاء التي تأتي لهما لكل لحظة ببلايا لا تقوم بها السماوات ، وهكذا شأن العشاق من شوقهم إلى وجه معشوقهم يسمعون حديث كل بر وفاجر لعلهم يصلون إلى شيء من قريب حبيبهم.
أذلّ لآل ليلى في هواها |
|
وأقبل للأكابر والصغار |
قيل : غرّهما بالله ولولا ذاك ما اغترّا.
وقوله تعالى : (فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) ذكرت سر بدو السوءة ، وهاهنا لطيفة إشارته إلى أن تلك السوءة التي هي أسرار القدم لم تبد لغيرهما بدت لهما خاصة من جميع الكروبيين والروحانيين ، والحمد لله الذي عصم سوأتهما عن نظر الأغيار ؛ لأنهما محلا الكرامة والأمانة والرسالة والنبوة والولاية ، جردهما الحق عن الجنة وما فيها لكونهما في تجريد التوحيد وإفراد القدم عن الحدوث ، فأين الجنة في طريق العارفين إلى الله أفردهما عن الجنة
__________________
(١) أي : بسبب تغريره إياهما باليمين بالله كاذبا وكان العين أول من حلف بالله كاذبا ، وظن آدم أن أحدا لا يحلف بالله كاذبا فاغتريه ، فإن شأن المؤمن أن يعتقد بصدق من حلف بالله لتمكن عظمة اسم الله تعالى في قلبه ، تفسير حقي (٤ / ١٢١).