فيها مثمرة ، فدلّ آدم عليهالسلام إليها ليكون بتلك النعمة متمتعا أحد من خلقة ، لكن مزج بالإرادة الحسد على آدم عليهالسلام فأوقعه فيها ؛ لأنه علم أنها موضع خطر فعصمها الله من ذلك الخطر ، فلمّا أكلا وجد ذلك في نفسها فزمّ الله وجههما وقلبهما زمام قهر سلطنته فلمّا رأى أنفسهما ساقطين عن محل الربوبية عرفا عجزها وضعفهما وعبوديتهما فقالا : (ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) [الأعراف : ٢٣] ، وأراد الملعون أنهما لمّا أكلا من الشجرة أن يظهرا تلك الأسرار التي لو عرفها أحد يكون عيارا سكرانا ، والهامد هوسا خارجا من قبول أحكام الشرائع في العبودية ، ولا يكون في العالم حجة الله ، فقصدهما بذلك لسقوطهما عن درجة الرسالة والنبوة والولاية التي هناك ظهور العبودية لمّا يبدو لهما من عورات الأسرار المكنونة والأقدار المختومة بقوله : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) (١) إذا أراد سبحانه أن يظهر لعبده سرا من أسراره أعزى إبليس بوسوسة سبب ينكشف به تلك الأسرار له ، فيرتفع بعلمها درجاته ، فيرجع ضررها إلى إبليس ، ورجع منفعتها إلى عبده العارف كحال آدم عليهالسلام وعدوه ، أراد العدو أن يسقطه من درجته فزاد شرفه على شرفه وقد سقط هو من رتبته بالحسد عليه وصار مطرود الأبد وصار آدم عليهالسلام مقبول الأزل والأبد لقوله سبحانه : (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر : ٤٣].
وقال تعالى في حق آدم عليهالسلام : (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) [طه : ١٢٢] ، وقال في حق داود عليهالسلام : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) [ص : ٢٥] ، ولمّا بدا لهما تلك الأسرار كتماها في نفسهما باستعداداتهما إلى أشجار الرعاية بقوله : (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) [الأعراف : ٢٢].
قال أبو سليمان الداراني : وسوس لهما الشيطان لإرادة الشر بهما فكان ذلك سببا لعلو آدم عليهالسلام وبلوغه إلى أعلى الرتب ، وذاك أن آدم عليهالسلام ما عمل عملا قط أتمّ له من الخطيئة التي هي أدبته وأقامته مقام الحقائق ، وأسقط عنه ما لعله خامر سرّه من سجود الملائكة له ، ورده إلى بركة الأولى من التخصيص في الخلقة باليد حتى رجع إلى ربه بقوله : (ظَلَمْنا أَنْفُسَنا).
قوله تعالى : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) مادام مآل أمر آدم عليهالسلام يئول
__________________
(١) قال التستري (١ / ١٥٤) : الوسوسة ذكر الطبع ، ثم النفس ، ثم الهم والتدبير ، ووسواس العدو على ثلاث مقامات : فالأول يدعوه ويوسوس له ، والثاني يأمن إذا علم أنه يقبل ، والثالث ليس له إلّا الانتظار والطمع ، وهو للصديقين.