سعادة قبل منهم ما يأمرونه من الطاعات ، فإذا أراد أن يهلكوه بطاعته رد إلى السعادة التي جرت له ؛ فيكون ذلك ربحا وزيادة ، ألا تراه بقوله : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) الآية.
قال : (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) [الأعراف : ١٧] ، فالأكثر من هلك بطاعته والأقل من أدركته السعادة فنجا.
قال الشبلي : لم يقل من فوقهم ولا من تحتهم ؛ لأن الفوق موضع نظر الملك إلى قلوب العارفين ، والتحت مواضع الساجدين ، وموضع نظره وموضع عبادتهم ، لا يكون للشيطان هناك موضع ولا فيه طريق.
(وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١))
قوله تعالى : (وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما) جعل الله سكونهما إلى الجنة وشغلها بأكل ثمارها ، ووعد العيش فيها ، وأخفى في عيشهما كدر الامتحان بأكل الشجرة وجعلها فتنة لهما ، ولو جعل سكونهما بجماله وحسن وصاله لم يدخل فيهما قهر الامتحان ؛ لأن حضرته تعالى مقدسة عن رحمة الحدثان.
(وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) دلالة إشارة ، والإجرار إلى الفتنة بنعت الخدعة ، وكيف لم يقرباها وهو تعالى تجلّى فيهما لهما بنعت الجمال ليعشقهما بجماله ، فخامرهما سرّ الأسرار من لطائف الأقدار فاشتاقا إليها عشق نظر ، فلمّا قربا منها غلب شهوة العشق على حقيقة العشق ؛ فأكلا منها وباشراها فعلما علم سر الأسرار وعلم لطيف الأقدار ، فامتلأ ولم يحتملها الجنة لثقل أنوار الأسرار ، ورزانة قوة الربوبية لذلك قال : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) بدخلوكما في حمى الربوبية واقتباسكما أسرار الألوهية ، ولولا أن الله حبس لسانهما عن كشف الأسرار لملأ الأقطار من علم الأقدار.
ولذلك قال بعض المسرفين : إن تلك الشجرة شجرة علم القضاء والقدر ، ومن علم ، علم ما كتم الله فيها وصل إلى عزّ الملك والخلد بوصف الربوبية والحرية.
ولذلك حكى الله عن الملعون بقوله : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) [طه : ١٢٠] ، علم الملعون أنها شجرة الخلد والملك وحرم عنهما ، فأراد مباشرتها لينازع الربوبية بقوتها ، ولم يقدر بأن ليس له استعداد ذلك ؛ فتحسّر في نفسه ورأى كنوز الغيب مملوءة