نظر إلى صفة واحدة ولم ينظر إلى صفة أخرى ؛ فاحتجب بالصفة عن الصفة فقال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) ، ولو رأى مصدر جميع الصفات لذاب تحت رؤية الكبرياء وأنوار العظمة ، ولم يكن بعد فنائه أبدا ؛ لأن من عرف وصف القدم صار عدما في القدم ، ولو رأى الملعون من وجه آدم عليهالسلام ما رأى الملائكة ما قال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) كان جاهلا به والملائكة كانوا عاشقين به ، غلط في قياسه ورؤيته إلى نفسه ، وأين النار من الطين الذي يقبض قبض ألطاف العزّة ومخلوق يد الصفة الخاصة بقوله : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥] (١) ، وسقط الأرواح التي صدرت من تجلّي القدس بقوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [الحجر : ٢٩] ، وذلك محل التواضع والعبودية الخالصة ومنبت أجسام الأنبياء والرسل والأولياء والصديقين ، ومنبت أغذية الخلائق ومرجع الكل ، وهو بريقة الأجسام والأرواح في العالم ليخرج منه سبائك القدس لمجالس الأنس ، والنار عذاب قهره مجاز بها من خلقه ناريا كإبليس وجنوده ، قوته من أصله الذي كان منه ، كان من نار اللعنة فعداه باللعنة ، قال : (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ) [الحجر : ٣٥] ، كل شيء يرجع إلى أصله ، كان جاهلا بظاهر العلم بعد أن كان جاهلا بباطن العلم ولولا ذلك لم يسلك طريق القياس عند وقوع النص ، والنص غالب على القياس من جميع الجهات.
قال بعضهم : لمّا نظر إلى الجوهر والعبادة توهم المسكين أنه خير ، فسبب فساد النفوس من رؤية الطاعة.
وقيل : توهم أن الجواهر من الكون على مثله وشكله في الخلقة فضل من جهة الخلقة والجوهرية ، ولم يعلم ولم يتيقن أن الفضل من المتفضل دون الجوهرية.
وقال الواسطي : من لبس قميص النسك خامره أنا لذلك ، قال إبليس : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) [ص : ٧٦] ، ولو لم يقل خير منه لأهلكه قوله في المقابلة أنا.
قال ابن عطاء : حجب إبليس برؤية الفخر بنفسه عن التعظيم ، ولو رأى تعظيم الحق لم يعظم غيره ؛ لأن الحق إذا استولى على سرّ قهره فلم يترك فيه فضلا لغيره ، ولمّا رأى الملعون فضل آدم عليهالسلام وذريته بالعلم الأسمائي وعرفان الصفاتي ، والمسابقة على الكل بعنايته الأزلية حسد عليهم وخرج على عدواتهم بعد طرده من باب الرحمة ، وتجاسر بجهله في مقابلة الحضرة بالمخاطبة بقوله : (فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) هاهنا قسم ، أي :
__________________
(١) رواه أحمد (٢ / ٢٤٢).