بها عن مشاهدة المعطي.
وأيضا : أي : احذروا في طاعتي من ضمائر الرياء ، وفي طاعة رسوله عن ضمائر الشك ، واحذروا من كراهة نفوسهم في الطاعة حتى تصلوا إلى مقام الحرقة عن دعوى الأنائية ، فإن طاعتي بالإخلاص والمحبة تصير المطيع بصفة الربوبية ، وهناك موضع الخطر قال عليهالسلام : «المخلصون على خطر عظيم» (١) ؛ ولأن هناك يفنى الحدث في العدم ويظن الفاني أن ضرغام مكر الأزل نائما ، قال تعالى : (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) [الأعراف : ٩٩].
قال الواسطي في هذا الآية : الحذر لا يزول عن العبد وإن كان مدرجا تحت الصفات ، ولولا ذلك لبسط العلم إلى شرط الجود وقلّة المبالاة بالأفعال ، ولكن الآداب في إقامة الموافقات كلما ازدادت السرائر به علما ازدادت له خشية.
وأيضا قال : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا) : ألا تلاحظوا طاعتكم وتسقطوا عن درجة الكمال.
(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ (٩٥) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦))
قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا) لمّا كان الله سبحانه يتجلّى بوصف اللطف بشيء فيه محل ابتلاء العباد كان مباحا لهم وهم غير مأخوذين بتناوله ما داموا مبصرين لطائف الحق فيه ، وإذا رفع عنهم نور تجلّي اللطف حرّم ذلك عليهم.
وهذه إشارة لطيفة لمن له فهم رجعنا إلى شغلنا بالتفسير : أن العاشق العارف مادام في
__________________
(١) رواه البيهقي في الشعب (٥ / ٣٤٥).