مِنَ الْحَقِ).
قال الأستاذ : إذا قرع سمعهم دعوة الحق بقسم البصيرة في قلوبهم فسكنوا إلى المسموع لما وجدوا من التحقيق.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٨٧) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٨٨) لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٨٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ) هذا خطاب أهل المشاهدة ، أي : إذا وصلتم مقام المشاهدة فلا تميتوا قلوبكم بالمجاهدة ، فإن المجاهدة للنفوس ، والمشاهدة للقلوب ، وإذا ظهرت المشاهدة للقلوب فلا يبقى فيها للنفوس أثر ، وأعلم بذلك تعالى أهل قربه الذين بلغوا مقام الأنس والبسطان ما يجري في قلوبهم من ذكر بدايتهم في ترك الطيبات من القوت واللباس ، لا يجوز في هذه المقامات الرجوع إلى البدايات ، فإن هاهنا لا يليق مجاهدة النفس بهم ؛ لأنهم يذوبون في روح الأنس ونور البقاء ، وهم في ذلك عرائس الله يبيح لهم ما لا يبيح للمريدين من أكل الطيبات ولبس الناعمات لبقائهم في الدنيا ولا يحترقون بواردات الوجد.
ألا ترى أن سبب نزول هذه الآية اجتماع أخيار الصحابة مثل : عثمان بن مظعون ، وأبي بكر الصديق ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وأبي ذر الغفاري ، وسالم مولى حذيفة ، والمقداد بن أسود ، وسلمان الفارسي ، ومعقل بن مقرن على ترك النساء والطيب واللحم ، واختاروا صوم الدهر ، وقيام الليل ، والسياحة في الأرض والرهبانية ، ولبس المنسوج ، ورفض الدنيا كلها ، فنهاهم الله ورسوله عن ذلك بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ