وقيل : من لم يحكم خواطر الحق على قلبه كان محجوبا من المبعدين.
(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥١) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (٥٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ (٥٣))
قوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) إن الله تعالى جعل في بحار القدم والبقاء السواقي لورود الأرواح القدسية ، ومشارب للقلوب العارفة به ، وسواقي العقول الصادرة من نوره ، ولكل واحد منها شريعة من تلك البحار ، فلبعض شرعة العلم ، ولبعض شرعة القدرة ، ولبعض شرعة الصمدية ، ولبعض شرعة الحكمة ، ولبعض شرعة الكلام والخطاب ، ولبعض شرعة المحبة والمعرفة ، ولبعض شرعة العظمة والكبرياء ، ثم جعل لها منهاجا من الصفات إلى الذات ، ومن الذات إلى الصفات ، ومن الصفات إلى الصفات ، ومن الذات إلى الذات ، ومن الأسماء إلى النعوت ، ومن النعوت إلى الأسماء ، ومن الأسماء إلى الأفعال ، ليعرفه كل واحد بقدر ذوقه وشربه وطريقه ، وجعل بينهم تباعدا وتقاربا ، قال تعالى : (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ) [البقرة : ٦٠] ؛ فمن وافق شربه شرب صاحبه لم يقع بينهما الخلاف في الشرعة والمنهاج ، ومن لم يكن شربه موافقا لشرب صاحبه لم يعرف أحدهما مكان الآخر ويكون بينهما نزاع ، وذلك من غيرة الله عليهم ، وعلى نفسه ؛ لئلا يركن بعضهم بعضا ، ولا يطّلع عليه سواه.
ألا ترى كيف وصف مزاج الأبرار من مزاج المقربين ، وفرّق بينهم بالمشارب