لإسقاطهم الوسيلة بينهم وبين رؤية القدر السابق.
(مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (٣٢) إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (٣٣) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٤))
قوله تعالى : (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) فيه إشارة لطيفة من الحق سبحانه : إن النيّة إذا وقعت من قبل النفس الأمّارة في شرّ وباشرته فكأنها باشرت جميع عصيان الله ؛ لأنها لو قدرت على جميعها لفعلت ؛ لأنها أمّارة بالسوء ، ومن السوء خلقت ، فالجزاء يتعلق بالنيّة ، وكذلك إذا وقعت النيّة من قلب القلب الروحاني في خير وباشره ، فكأنه باشر جميع الخيرات ، لأنه لو قدر الفعل ، قال عليهالسلام : «نيّة المؤمن أبلغ من عمله» (١).
وفيه إشارة أخرى : إن الله سبحانه خلق النفوس من قبضة واحدة مجتمعة بعضها من بعض ، وفرقها مختلفة ، وتعلّق بعضها ببعض من جهة الاستعداد والخليقة ، فمن قتل واحدا منها أثّر قتلها في جميع النفوس عالمة به أو جاهلة ، ومن أحيا نفس مؤمن بذكر الله وتوحيده ووصف جماله وجلاله حتى تحب خالقها وتحيى بمعرفته وجمال مشاهدته ، فأثّرت حياتها وبركتها في جميع النفوس ، فكأنما أحيا جميع النفوس ، وفي الآية تهديد الله لأئمة الضلالة ووعد وشرف وثناء حسن لأئمة الهدى.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٣٦) يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٧) وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٩) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ
__________________
(١) رواه البيهقي في الشعب (٥ / ٣٤٣).