من بحار جماله.
قال جعفر عليهالسلام : حكم بما أراد ، وأمضى إرادته ومشيئته ، ومن رضي بحكمه استراح وهدي لسبيل رشده ، ومن سخطه فإن حكمه ما مضى ، وله فيه السخط والهوان.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) خاطب العارفين عند أخذ ميثاق التوحيد في مقام قرب المشاهدة بألا يباشروا محارم منازل أسفار الأرواح من القدم إلى البقاء ، وهى شعائره للنفوس ؛ حيث سارت في حرمات الشهوات حتى لا يوافقوها في طلب حظوظها ، وهذا معنى قوله : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) ، ثم وقّت لهم في سير الأسرار إلى مشاهدته في زمان ظهور تجلّي الخاص أن يتجردوا غيره ، ويمنعوا أنفسهم في زمان انجذابهم من عالم الحدثان إلى جناب الرحمن عن الدخول في حمى الرفض الذي هو ينزل أهل الانبساط ، وهذا معنى قوله تعالى : (وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) ، وإذا رأوا طلاب المريدين الذين ذهبوا أنفسهم إلى الله هديا في سلوك المقامات ، ورأوا المجذوبين والمقلدين بسلسلة المحبة في مزار الحالات ، ورأوا السالكين القاصدين إلى كعبة المشاهدة الذين يبتغون وصلته وبقاءه بألا يغيروهم عليهم بغيرة المعرفة ؛ إرادة لقطع طريقهم ليلا ، يروا غير نفوسهم في باب الأزل ، كما فعل موسى عليهالسلام ببلعام ، وهذا معنى قوله تعالى : (وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ).
ثم رخّص المحرمين ممّا دونه إذا بلغتم إلى مقام المشاهدة ووجدتم عيد الأكبر ، وخرجتم من إحرام المجاهدة اصطاد ، وفي منزل البسط والانبساط زيادة روح القربة والتنفس في الأنس من ترنم ألحان بلابل بساتين الربيع ، وسماع أصوات الطيبات ، ومشاهدة المستحسنات.
ألا ترى إلى قوله عليهالسلام لنساك الغيب ، حين تضايقت الأكوان عليهم في مقام القبض كيف قال : «روّحوا قلوبكم بساعة فساعة» (١) ، وهذا معنى قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) ، وإذا كنتم في زمان الامتحان ويتعرضكم أهل ظاهر السبيل والعلم ويمنعكم عن الجلوس بالسماع والرقص والهيجان والوجد والهيمان وعن دخولكم مراد الله من المواقف القدسية لا تخاصموهم ، ولا تقتلوهم بأنفاسكم القاتلة ؛ حتى لا يكون عليكم رقم الاضطراب في الطريقة ، وهذا معنى قوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ
__________________
(١) تقدم تخريجه.