قال الواسطي : العقود إذا لم تشهد القصود تلوّن عليها المقصود.
قال الجريري : الوفاء متصل بالصفاء.
قال الأستاذ : ناداهم.
قيل : أن أبدلهم وسماهم قبل أن رآهم أهلهم في آزاله لمّا أوصلهم إليه في آباده شرفهم بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، وكلفهم بقوله : (أَوْفُوا) (١) لمّا علم أن التكليف يوجب المشقة ، قدّم التشريف بالثناء على التكليف الموجب للفناء.
وقوله : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) المحرم الذي ذكره الله هو من اكتسى في إحرام أنوار عزّته في حرم مشاهد قربه ، قد منعه ألا يصيد في بيداء العبودية صيود الحظوظ ؛ لأن صيده هو بنفسه تعالى لا غير ، ومن كان هو صيدة حرم عليه سواه.
قال الأستاذ : المحرم متجرد عن نصيب نفسه بقصده إليه ، فالأليق بصفاته كفّ الأذى عن كل حيوان ، وقد هتفت هواتف خاطري بأن العاشق إذا ألبس إحرام العشق حرّم عليه ما فيه آثار صنع معشوقه وأنوار خصائصه.
ألا ترى إلى مجنون بن عامر لما اصطاد ظبيا خلاه عن القيد ، وأطلقه ، وأنشد :
وعيناك عيناها وجيدك جيدها |
|
سوى أن عظم الساق منك رقيق |
وأنشد أيضا :
أيا شبه ليلى لا تذاع فإنني |
|
لك اليوم من وحشية تصديق |
أقول وقد أطلقتها من وثاقها |
|
ألست لليلى أن شكرت طليق |
وقوله : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) قطع أطماع النفوس دخولها في شهوات اختراع مرادها ، وحسم حبال أمنية الخلق عن دفع سابق المشيئة بالمجاهدات ، وأفرد نفسه بالحكم الأزلي بنعت نقض عزائم الخليقة ، يحكم أولياءه بنزول بلائه عليهم بعد إسقائهم شراب وداده
__________________
(١) الإشارة : يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود التي عقدتموها على نفوسكم في حال سيركم إلى حضرة ربكم ، من مجاهدة ومكابدة ، فمن عقد عقدة مع ربّه فلا يحلّها ، فإن النفس إذا استأنست بحلّ العقود لم ترتبط بحال ، ولعبت بصاحبها كيف شاءت ، وأوفوا بالعقود التي عقدتموها مع أشياخكم بالاستماع والاتّباع إلى مماتكم ، وأوفوا بالعقود التي عقدها عليكم الحق تعالى ، من القيام بوظائف العبودية ، ودوام مشاهدة عظمة الربوبية ، فإن أوفيتم بذلك ، فقد أحلّت لكم الأشياء كلها تتصرّفون فيها بهمّتكم ؛ لأنكم إذا كنتم مع المكوّن كانت الأكوان معكم ، إلا ما يتلى عليكم مما ليس من مقدوركم مما أحاطت به أسوار الأقدار ، «فإن سوابق الهمم لا تخرق أسوار الأقدار» ، غير متعرّضين لشهود السّوى ، وأنتم في حرم حضرة المولى ، والله تعالى أعلم. [البحر المديد (٢ / ٢٨)].