أدبا لهم ، وهو في الحقيقة في عين الحصول لا يرجع إلى غير الحق في منصرفاته ، ولا يشهد سواه في سعاياته.
وقال بعضهم : ما دمت فيهم فإن الصلاة تكون قائمة ، وإذا غبت فالصلاة آتية إليها ، كما قال : (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى).
(فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (١٠٣) وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦))
قوله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ).
الإشارة فيه : أي : إذا أخرجتم من مقام الصلاة فينبغي أن تكونوا في جميع الأحيان كأنكم في الصلاة ؛ لأن الصلاة هي الذكر بعينه ، وصورة الصلاة شاغلة عن الذكر الحقيقي ، الذي هو نور وجه المذكور ، أي : إذا تخلصتم عن آلة الصلاة وعلة الأمر فاذكروني بنعت المراقبة في جميع أنفاسكم ؛ لأنكم في مشهد مشاهدتي ، واسترحتم بالذكر عن أسباب الذكر ، فذكركم في القيام حيرة في وجود جلالي ومشاهدة عظمتي ، وذكركم في قعودكم سقوطكم في الوجد عن صدمات سطوات كبريائي بالبديهة ، وذكركم في جنوبكم اضمحلالكم في رؤية قدمي وبقائي ، فإذا كنتم في حالة التمكين وامتلأتم في أنوار ذكري فينبغي أن تخرجوا من أبواب الرخص ، والاستراحة في ساعة الروح ، وترجعوا إلى مقام الصلاة ، فإن آخر سيركم في ربوبيتي أول بدايتكم في عبوديتي.
ثم إنّ الله سبحانه وقّت لأيام الخدمة وقتا ، وهو كشوف أبواب العظمة والكبرياء الذي تجليه يزعج العباد إلى الفناء في بوادي عظمته وجلاله ، ولو كان دائما لاحترقت الخلائق فيها ، وفني العباد بأسرها ، وكيف يوازي الحدث جلال القدم ، ومن يجرؤ أن يتعرض بالسرمدية لساحات عظمة الله تعالى ، أوقعهم في الفترة ؛ غيرة على المعرفة ، ولم يوقّت للذكر وقتا ؛ لأن ذكره شعاع تلك الشموس وضوء تلك الأقمار ، وهو قطرات مزن الغيب ، يحيى بشريانها فؤاد المحبين والموحدين ، وهاهنا مقام الضعفاء والإسراء ، والله أعلم وأحكم.