قال أبو عثمان : وقّت الله العبادات كلها بالمواقيت إلا الذكر ؛ فإنه أمرك به على كل حال وفي كل أوان.
وقال الأستاذ في هذه الآية : الوظائف الظاهرة مؤقتة ، وحضور القلب بالذكر مسرمد ، غير منقطع.
قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) تفضّل على الناس بإنزال كتابه على نبيه ، وإعطائه فهم خطابه ، وكشف لآرائه العلية عليهالسلام حقائق حكمته الأزلية السابقة بمراده من عبودية عباده ، ووقوع صلاحهم من بيانه عليهالسلام ، موافقا لرضا الله ، أراد من العباد عبوديته في الأزل ، وعلم جهلهم بها ، فكاشف عليها على لسان نبيه صلىاللهعليهوسلم ، وهذا معنى قوله : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) أسرار ، وفي قلبه عليهالسلام من الله أنوار يعرف خطاب الله ، فيحكم بها بين الخلق ، ليتبين الرشد من الغي ، قال تعالى : (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِ) [البقرة : ٢٥٦] كتاب الظاهر الشاهد على ما أراد الله من مشاهدات الغيب ، وما قدر الله لعباده من أحكام العبودية وعرفان الربوبية ، قال صلىاللهعليهوسلم :
«ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه» (١).
قال سهل : (بِما أَراكَ اللهُ) أي : بما علمك الله من الحكمة في القرآن والشريعة.
قال بعضهم : بما كشف لك من بواطنهم ، وأظهره لك لا على ما يظهرونه ، فإن رؤيتك لهم رؤية كشف وعيان.
قال ابن عطاء : (بِما أَراكَ اللهُ) فإنك بنا ترى ، وعنا تنطق ، وأنت بمرأى منا ومسمع.
(وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (١١٢))
__________________
(١) رواه أحمد (٤ / ١٣٠).