الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦))
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) شكا الله سبحانه عن أحبائه بهذه الآية ، وتقصيرهم من بذل نفوسهم لرضائه إعلاما منه للمحبين أنهم لن يصلوا إليه إلا بإيثار مراده على مرادهم ، وهذه الشكاية لا تكون من محل إيمانهم ؛ لأنهم بحمد الله على الصدق والإخلاص والإيمان واليقين وصلوا إليه ، لكن أخبر عن معارضة نفوسهم عند نزول البأس إلا الأقوياء والمستقيمين في المحبة بقوله : (إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ).
ثم أخبر أن قتلهم النفوس بالرياضات والمجاهدات والهجرة من الخطايا والذنوب ، وهجران السوء من أمارات محبة الله.
قال محمد بن الفضل : (اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) بمخالفة هواها ، أو (اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ) أخرجوا حب الدنيا من قلوبكم ، (ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ) في العدد ، كثير في المعنى ، وهم أهل التوفيق والولايات الصادقة ، وقرن سبحانه مقام المجاهدة بمقام المشاهدة ، وبيّن أن من قصّر في واجب حقوقه لم يبلغ إلى معالي الدرجات.
قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) أي : بقاؤهم في مشاهدة الله خير من بقائهم في الدنيا مع نفوسهم ، ورهن الوصول بقتل النفوس بقوله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا) ، وزاد الوضوح بالآية الثانية في شرح ما ذكرنا بقوله تعالى : (وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً) الأجر العظيم مشاهدته الأزلية وكشفه الأبدي.
(وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) : الإرشاد إلى معارف طرق الصفات ، والفناء في بقاء الذات ، تعالى الله عن كل إشارة وإيماء ، والصراط المستقيم المعرفة بعد المعرفة بعد النكرة ، وإفراد القدم عن كل العلة.
قوله تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) إنّ طاعة الله لا تحصل بحقائقها إلا بعد مشاهدة الله ؛ لأن حقيقة الطاعة لا تكون إلا من المحبة ، ولا تكون المحبة إلا بعد الرؤية ، والمشاهدة أي :