من أطاع الله محبة الله في رؤية الله ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «تعبد الله كأنّك تراه» (١) ، وطاعة الرسول بمعرفة الرسول من معرفة الله ، أي : بلغ طاعته إلى هذه المراتب ، فهو أهل الله ، وهو شبيه أنبيائه وشهدائه ورسله وأوليائه ، ويكون في الدنيا والآخرة رفيقهم ، وهذا معنى قوله تعالى : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ) إنعام الله على النبيين مداناتهم ومشاهداتهم وعلومهم بذاته وصفاته تعالى ، واستشرافهم على خزائن ملكه وملكوته ، وإنعامه على الصديقين إعطاؤهم سني الكرامات ، وفتح أبصارهم بأنوار الصفات ، وإنعامه على الشهداء كشف جماله لهم دية لدمائهم ، وإنعامه على الصالحين إبراز لطائف بره لهم ليألفوه بها ، ويستقيموا في الحضرة بالخدمة.
قوله تعالى : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) معناه حسن مرافقتهم مع المطيع لله ، وحسن مرافقة الله مطيع الله لهم ؛ لقرب منازلهم ودنو مقاماتهم بعضهم بعضا ؛ لأن المرافقة لا تحسن إلا بموافقة المقامات ، والأنبياء هم الذين سمعوا أنباء الله بسمع الخاص ، والصدّيقون هم الذين مع الله بحسن الرضا ، ومشاهدة نور البقاء ، والشهداء المقتولون بسيوف محبته في معارك سطوات عظمته ، والصالحون هم الذين خرجوا من محن الامتحان ، وظفروا بنعمة الجنان ، والروح والريحان ، ويتراءون هلال جمال الرحمن ، ولم يذكر المرسلين ؛ لأنهم في الغيب غائبون وعن غيب الغيب غائبون ، آواهم الله في ستره ، لا يطّلع عليهم أحد من خلقه إلا عند بروزهم من الحضرة.
قال فارس : أدنى منازل الأنبياء أعلى مراتب الصديقين ، وأدنى منازل الصديقين أعلى مراتب الشهداء ، وأدنى منازل الشهداء أعلى مراتب الصالحين ، والصالحون في ميدان الشهداء ، والشهداء في ميدان الصديقين ، والصديقون في ميدان الأنبياء ، والأنبياء في ميدان المرسلين.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧٧) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨))
__________________
(١) رواه البخاري (٤ / ١٧٩٣).