بموته أو برفع الوسائط بيني وبينكم ؛ لأنّ من شاهد الحق وعاينه تكون محبته وعبوديته بغير واسطة الربوبية ، قائمة بذاته ، أبدا ليس للأولياء والأنبياء إلا الإخبار والأنباء عند أمر الله ، وكشفه مراده لهم ، وخصّ من بينهم الصدّيق وأقرانه ـ رضي الله عنهم أجمعين.
ألا ترى حين قبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من كان يعبد محمدا ؛ فإن محمد قد مات ، ومن كان يعبد الله ؛ فالله حي لا يموت» (١) ، وهذا الوصف ظاهر في آخر الآية (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً) في الصديق ونظرائه رضوان الرحمن عليهم بقوله : (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) يعنى : أبا بكر ، ومن كان قلبه مثل قلبه في الإيمان والإيقان شكرهم استقامتهم في الرب والولاية ، وجزاء شكرهم نصر الله وظفره لهم بانهزام المروة عن ساحة الشريعة.
قال الواسطي : غضت البصائر عند وفاة النبي صلىاللهعليهوسلم إلا لرجل واحد ، وهو فضل عليهم ، وهو الداعي إلى الله على بصيرة ، وهو أبو بكر ، فكأن هذه الآية خصّ هو بها ، وعجزت الأمة عن ذلك لضعف نحائرها ، ووهن بصائرها ، وبأن فضيلة أبي بكر بذلك ، وهو قول : «من كان يعبد محمدا ؛ فإن محمد قد مات».
وقال الحسين : ليس للرسول إلا ما أمر به أو كشف له ، ألا تراه لما سئل : «فيم يختصم الملا الأعلى» (٢) ، يعني : لم يسمع حسّا ولا نطقا ، فلما غيب عنه شاهده فوقع الصفة عليه شاهدهم بشهود الحق ، وذهب عنه صفة آدميته فتكلم بالعلوم كلها.
قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً) بيّن الله سبحانه أن من قدرته إماتة حي أعظم من إيجاد حي وأعجب من إبقائه ؛ لأنّ في الموجود قدرة وليس في المعدوم قدرة ، وأيضا إشارة إلى أهل الرياضة ، أي أن النفس الأمّارة لا تزول بالرياضة والمجاهدة أنها تطمئن بإذن الله وبحلاوة ذكره ومناجاته.
قال الواسطي : ليس نفس تملك الفناء والبقاء ، بل كان ذلك الآجال مضروبة ، كما قال تعالى : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ).
وقوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها) ثواب الدنيا المعرفة ، وثواب الآخرة المشاهدة ، وأيضا ثواب الدنيا محبته ، وثواب الآخرة قربته ، وأيضا أي : من وقع في محل الإرادة وأرادني فقد أتجلى له بالآيات ومن الآيات
__________________
(١) سبق تخريجه.
(٢) رواه أحمد في مسنده (٤ / ٦٦).