لِلْمُتَّقِينَ).
قال جعفر : أظهر البيان للناس ، ولكن لا يتنبه إلا من أيّد منه بنور اليقين وطهارة السر ، ألا يراه يقول : (وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) إلا أن هذا الاهتداء بهذا البيان والاتعاظ للمتقين الذين اتقوا كل شيء سواه.
وقال الأستاذ : بيان لقوم من حيث أدلة العقول ، والآخرين من حيث مكاشفة القلوب ، والآخرين من حيث تجلي الحق في الإسرار.
أعلمهم الله حقائق الإيمان ، وهو اليقين ، واليقين سكون القلب بوعد الرب تعالى ، وبيّن إذا كنتم في معارج الإيمان والتصديق يجزى في نصركم وعلوكم على عدوكم ، فما معنى الحزن والضعف ، فإنّ من عاين حقيقة الأمر قوى يقينه ، وذهب عنه جميع الأحزان ، وينبغي أن حزن العارف ضيق صدره من ركوب القبض عند غيبته عن المشاهدة ، وفرحه ببسطه وروحه من كشف ملكوت ربه.
قال محمد بن موسى : ما بال الإنسان يحزن مرة ويفرح أخرى؟ قال : لأنّ غذاء الأرواح وتهذيبها في الاستتار والتجلي يطرب عند التجلي ، ويحزن عند الاستتار ، فمتى حجب حزن ، ومتى طالعه بعين البر واللطف فرح ، وإن طالعه عين السخط خاف وقلق.
(وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (١٤٧) فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٤٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (١٤٩))
قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) إنّ الله تعالى عانت الكل بهذه الآية ، أي : لمّا أخبرتكم ربوبيتي بلسان نبيي ، وأوجبت العبودية عليكم برسالته ، وعرفتكم بصفات الألوهية بغير واسطة ، فلم تتزلزل بذهابه عن البين ، واضطربتم عن حقائق الإيمان وإخلاص العبودية عند الفترة والامتحان ، فلو كنتم مشاهدين جلالي ما اضطربتم