بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (٦)
(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) أي المشركون الجاحدون للحق ، الذي وضحت حجته واتضحت محجته (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) أي من الآلهة والأوثان الآن (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) أي الآن (وَلا أَنا عابِدٌ) أي فيما أستقبل (ما عَبَدْتُّمْ) أي فيما مضى (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ) أي فيما تستقبلون أبدا (ما أَعْبُدُ) أي فيما أستقبل (ما عَبَدْتُّمْ) أي الآن وفيما أستقبل ـ هكذا فسره الإمام ابن جرير رحمهالله. ثم قال : وإنما قيل ذلك كذلك ، لأن الخطاب من الله كان لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في أشخاص بأعيانهم من المشركين ، قد علم أنهم لا يؤمنون أبدا ، وسبق لهم ذلك في السابق من علمه ، فأمر نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يؤيسهم من الذين طمعوا فيه وحدثوا به أنفسهم. وإن ذلك الغير كائن منه ولا منهم في وقت من الأوقات. وآيس نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم مع الطمع في إيمانهم ، ومن أن يفلحوا أبدا فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا. إلى أن قتل بعضهم يوم بدر بالسيف ، وهلك بعض قبل ذلك كافرا. ثم روى رحمهالله عن ابن إسحاق عن سعيد ابن مينا قال : لقي الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن المطلب وأمية بن خلف ، رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا محمد! هلم ، فلنعبد ما تعبد وتعبد ما نعبد ، ونشركك في أمرنا كله. فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا ، كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه. وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يديك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذ منه بحظك. فأنزل الله (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) السورة وفي رواية : وأنزل الله في ذلك هذه السورة ، وقوله : (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) [الزمر : ٦٤ ـ ٦٦] ، (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) انتهى.