ولنسحبنّه بها إلى النار. والسفع : القبض على الشيء وجذبه بشدة. والأخذ بالناصية هنا ، مثل في القهر والإذلال والتعذيب والنكال. وقوله تعالى : (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) بدل من (الناصية) ولم يقتصر على إحدى الجملتين ، لأن ذكر الأولى للتنصيص على أنها ناصية الناهي والثانية لتوصف بما يدل على علة السفع وشموله لكل من وجد فيه ذلك. ووصفها بالكذب والخطأ ، وهما لصاحبها ، على الإسناد المجازي ، للمبالغة لأنها تدل على وصفه بالكذب بطريق الأولى ، ولأنه لشدة كذبه كان كل جزء من أجزائه يكذب. وكذا حال الخطأ ، وهو كقوله : (وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ) [النحل : ٦٢] ، و (وجهها يصف الجمال) ـ والتجوز بإسناد ما للكل إلى الجزء ، كما يسند إلى الجزئيّ في قوله (بنو فلان قتلوا قتيلا) والقاتل أحدهم.
لطيفة :
قال في (البحر) : كتبت نون (لنسفعا) بالألف باعتبار الموقف عليها بإبدالها ألفا. وقال السمين : الوقف على هذه النون بالألف تشبيها لها بالتنوين. وتكتب هنا ألفا اتباعا للوقف لأن قاعدة الرسم مبنية على حال الوقف والابتداء (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) أي أهل مجلسه ، ليمنع المصلين ويؤذي أهل الحق الصادقين ، اتكالا على قوتهم وغفلة عن قهر الحق وسخطه. والجملة إما بتقدير مضاف ، أو على الإسناد المجازي من إطلاق اسم المحل على من حلّ فيه. والنادي المجلس الذي ينتدي فيه القوم ، أي يجتمعون (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) أي زبانية العذاب من جنوده تعالى فيهلكونه في الدنيا ، أو يردونه في النار في الآخرة وهو صاغر ، ولم يرسم (سندع) بالواو في المصاحف باتباع الرسم للفظ ، أو لمشاكلة قوله : (فليدع) وقيل إنه مجزوم في جواب الأمر وفيه نظر (كَلَّا) ردع للناهي بعد ردع ، وزجر إثر زجر (لا تُطِعْهُ) أي لا تطع ذاك الطاغي إذا نهاك عن عبادة ربك. قال الزمخشريّ : أي اثبت على ما أنت عليه من عصيانه كقوله (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) [القلم : ٨] ، (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) أي صل لربك وتقرب منه بالعبادة وتحبب إليه بالطاعة. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعا : أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. فأكثروا من الدعاء.
تنبيهات :
الأول : قدمنا أن الآيات نزلت في أبي جهل ، على ما صح في الأخبار ، قال الإمام : ولا مانع من أن يكون في الآيات إشارة إليه ، ولكنها عامة في كل وقت وزمن كما ترى. والخطاب فيها موجه إلى من يخاطب لا إلى شخص النبيّ صلىاللهعليهوسلم. والله أعلم.