فهي الآن غير مسجورة لقوام الدنيا. فإذا انتهت مدة الدنيا ، أوصل الله
تأثير تلك النيران إلى البحار ، فصارت بالكلية مسجورة بسبب ذلك. وأوضحه الإمام
بقوله : وقد يكون تسجيرها إضرامها نارا. فإن ما في بطن الأرض من النار يظهر إذ ذاك
بتشققها وتمزق طبقاتها العليا ، أما الماء فيذهب عند ذلك بخارا ولا يبقى في البحار
إلا النار. أما كون باطن الأرض يحتوي على نار فقد ورد به بعض الأخبار. ورد أن
البحر غطاء جهنم ، وإن لم يعرف في صحيحها. ولكن البحث العلميّ أثبت ذلك. ويشهد
عليه غليان البراكين وهي جبال النار. انتهى.
قال الرازي :
واعلم أن هذه العلامات الستة يمكن وقوعها في أول زمان تخريب الدنيا ، ويمكن وقوعها
أيضا بعد قيام القيامة. وليس في اللفظ ما يدل على أحد الاحتمالين. أما الستة
الباقية فإنها مختصة بالقيامة. انتهى.
(وَإِذَا النُّفُوسُ
زُوِّجَتْ) أي قرنت الأرواح بأجسادها. أو ضمت إلى أشكالها في الخير
والشر ، وصنّفت أصنافا ليحشر كل إلى من يجانسه من السعداء والأشقياء.
(وَإِذَا
الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) يعني البنات التي كانت طوائف العرب يقتلونهن. قال السيد
المرتضى في (أماليه) : الموءودة هي المقتولة صغيرة. وكانت العرب في الجاهلية تئد
البنات ، بأن يدفنوهنّ أحياء ، وهو قوله تعالى : (أَيُمْسِكُهُ عَلى
هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ) [النحل : ٥٩] ، وقوله تعالى : (قَدْ خَسِرَ
الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام : ١٤٠] ، ويقال إنهم كانوا يفعلون ذلك لأمرين : أحدهما أنهم كانوا
يقولون إن الإناث بنات الله ، فألحقوا البنات بالله فهو أحق بها منا. والأمر الآخر
أنهم كانوا يقتلونهن خشية الإملاق. قال الله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا
أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) [الأنعام : ١٥١]. قال المرتضى : وجدت أبا علي الجبائيّ وغيره يقول : إنما
قيل لها موءودة لأنها ثقلت بالتراب الذي طرح عليها حتى ماتت. وفي هذا بعض النظر.
لأنهم يقولون من الموءودة وأد (يئد) (وأدا) والفاعل (وائد) والفاعلة (وائدة) ومن
الثقل يقولون آدني الشيء يؤودني ، إذا أثقلني ، أودا. انتهى.
وإنما قال (بعض
النظر) لأن القلب معهود في اللغة ، فلا يبعد أن يكون (وأد) مقلوبا من (آد). وقال
المرتضى : فإن سأل سائل ، كيف يصح أن يسأل من لا ذنب له ولا عقل ، فأي فائدة في
سؤالها عن ذلك ، وما وجه الحكمة فيه؟ والجواب من وجهين : أحدهما أن يكون المراد أن
قاتلها طولب بالحجة في قتلها ، وسئل عن قتله لها بأي ذنب كان ، على سبيل التوبيخ
والتعنيف وإقامة الحجة. فالقتلة هاهنا هم المسؤولون على الحقيقة ، لا المقتولة ،
وإنما المقتولة مسؤول عنها. ويجري هذا مجرى قولهم (سألت حقي) أي طالبت به ومثله
قوله تعالى : (وَأَوْفُوا
بِالْعَهْدِ إِنَّ