وقال أبو السعود : هذا حكاية لكفر آخر لهم ، متفرع على كفرهم السابق. ولعل توسيط (قالُوا) بينهما للإيذان بأن صدور هذا الكفر عنهم ليس بطريق الاطراد والاستمرار ، مثل كفرهم السابق المستمر صدوره عنها في كافة أوقاتهم. حسبما ينبئ. عنه حكايته بصيغة المضارع. أي قالوا ذلك بطريق الاستهزاء ، مشيرين إلى ما أنكروه من الردة في الحافرة. وقوله تعالى : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) تعليل لمقدر يقتضيه إنكارهم لإحياء العظام النخرة التي عبروا عنها بالكرّة. فإن مداره لما كان استصعابهم إياها ، رد عليهم ذلك ، فقيل : لا تستصعبوها فإنما هي صيحة واحدة. أي حاصلة بصيحة واحدة وهي النفخة الثانية. وفيه تهوين لأمر الإعادة. على وجه بليغ لطيف (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) أي على ظهر الأرض أحياء.
قال ابن جرير : والعرب تسمي الفلاة ووجه الأرض ساهرة (قال) وأراهم سموا ذلك بها لأن فيه نوم الحيوان وسهرها. فوصف بصفة ما فيه. وقيل لأن السراب يجري فيها. من قولهم : (عين ساهرة) للتي يجري ماؤها ، وفي ضدها نائمة. والسهر على الأول بمعناه المعروف ، والتحوز في الإسناد.
وفي الثاني مجاز على المجاز ، لشهرة لأول التي ألحقته بالحقيقة. ثم ذكّر سبحانه الكفرة ما حل بمن هو أشد منهم قوة ، لما طغوا ، ترهيبا وإنذارا ، بقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (١٥) إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (١٦)
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) أي خبره حين ناجاه ربه تعالى. قال أبو السعود : ومعنى (هَلْ أَتاكَ) إن اعتبر هذا أول ما أتاه صلىاللهعليهوسلم من حديثه عليهالسلام ، ترغيب له في استماع حديثه. كأنه قيل هل أتاك حديثه أنا أخبرك به. وإن اعتبر إتيانه ، قبل هذا ، وهو المتبادر من الإيجاز في الاقتصاص ، حمله صلىاللهعليهوسلم على أن يقرّ بأمر يعرفه قبل ذلك. كأنه قيل أليس قد أتاك حديثه؟
وقال الشهاب : المقصود من الاستفهام التذكير لا التقرير ، كما قيل. ولا مجافاة في المعنى على كلّ ، كما لا يخفى (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) إلى حين ناداه بالوادي المطهر المبارك. وهو واد في أسفل جبل طور سيناء من برية فلسطين. و (إِذْ) ظرف للحديث لا للإتيان ، لاختلاف وقتيهما و (طُوىً) اسم لذلك الوادي. ومصدر لنادى. أو المقدس. أي ناداه نداءين. أو المقدس مرة بعد أخرى.