فقالت ذلك له فقال : بل شربت عسلا عند زينب ابنة جحش ، فلن أعود له ، وقد حلفت! لا تخبري بذلك أحدا ، فنزلت الآية.
وروى الشيخان (١) أيضا عن عائشة أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم كان يحب الحلواء والعسل ، وكان إذا صلى العصر دار على نسائه ، فيدنو من كل واحدة منهن ، فدخل على حفصة بنت عمر ، فاحتبس عندها أكثر مما كان يحتبس ، فسألت عن ذلك ، فقيل لي : أهدت إليها امرأة من قومها عكة عسل ، فسقت رسول الله صلىاللهعليهوسلم منه شربة ، فقلت : والله لنحتالنّ له! فذكرت ذلك لسودة ، وقلت لها : إذا دخل عليك ، ودنا منك ، فقولي له : يا رسول الله! أكلت مغافير؟ فإنه سيقول لك : لا! فقولي له : وما هذه الريح؟ وكان صلىاللهعليهوسلم يكره أن يوجد منه الريح الكريه! فإنه سيقول لك : سقتني حفصة شربة عسل ، فقولي له : أكلت نحله العرفط ، حتى صار فيه ـ أي في العسل ـ ذلك الريح الكريه. وإذا دخل عليّ فسأقول له ذلك. وقولي أنت يا صفية ذلك. فلما دخل على سودة قالت له مثل ما علمتها عائشة ، وأجابها بما تقدم. فلما دخل على صفية ، قالت له مثل ذلك. فلما دخل على عائشة قالت له مثل ذلك. فلما كان اليوم الآخر ودخل على حفصة قالت له : يا رسول الله! ألا أسقيك منه؟ قال. لا حاجة لي به؟ قالت : إن سودة تقول : سبحان الله ، لقد حرمناه منه ، فقلت لها : اسكتي؟
و (المغافير) صمغ حلو له رائحة كريهة ينضحه شجر يقال له (العرفط) بضم العين المهملة والفاء.
وفي هذه الرواية أن التي شرب عندها العسل حفصة ، وفي سابقتها أنها زينب. والاشتباه في الاسم لا يضر ، بعد ثبوت أصل القصة.
وروى ابن جرير عن ابن عباس قال : كانت حفصة وعائشة متحابتين ، وكانتا زوجتي النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فذهبت حفصة إلى أبيها ، فتحدثت عنده ، فأرسل النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلى جاريته ، فظلت معه في بيت حفصة ، وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة ، فرجعت حفصة ، فوجدتها في بيتها ، فجعلت تنتظر خروجها ، وغارت غيرة شديدة ، فأخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم جاريته ، ودخلت حفصة ، فقالت : قد رأيت من كان عندك ، والله لقد سؤتني! فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : والله لأرضينك ، فإني مسرّ إليك سرّا فاحفظيه! قالت : ما هو؟ قال : إني أشهدك أن سريتي هذه عليّ حرام ، رضا لك. وكانت حفصة وعائشة
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الطلاق ، ٨ ـ باب لم تحرم ما أحل الله لك ، حديث رقم ٢٠٦٣.
وأخرجه مسلم في : الطلاق ، حديث رقم ٢١.