كان له سبيل إلى خطبتها ، وتجديد العقد عليها برضاها. وإن لم تتبعها نفسه ، تركها فنكحت من شاءت.
وجعل العدة ثلاثة قروء ليطول زمن المهلة والاختيار ، فهذا هو الذي شرعه وأذن فيه ، ولم يأذن في إبانتها بعد الدخول إلا بالتراضي بالفسخ والافتداء. فإذا طلقها مرة بعد مرة بقي له طلقة واحدة. فإذا طلقها الثالثة حرمها عليه ، عقوبة له ، ولم يحل له أن ينكحها حتى تنكح زوجا غيره ، ويدخل بها ثم يفارقها بموت أو طلاق. فإذا علم أن حبيبه يصير إلى غيره ، فيحظى به دونه ، أمسك عن الطلاق. انتهى.
ومباحث الطلاق وفروعه تجدر مراجعتها من (إغاثة اللهفان) و (زاد المعاد) لابن القيم ، و (فتاوي ابن تيمية) شيخه. ومن لم يقف على ما حرراه وجاهدا في الصدع به ، فاته علم غزير ، وفرقان منير ، وبالله التوفيق.
الخامس ـ استدل بهذه الآيات من قال : إن جمع الطلاق في دفعة واحدة غير مشروع. قال الإمام ابن القيّم في (إغاثة اللهفان) : ووجه الاستدلال بالآية من وجوه :
أحدها ـ أنه تعالى إنما شرع أن تطلق لعدتها ، أي لاستقبال عدتها ، فيطلق طلاقا يتعقبه شروعها في العدة ، ولهذا أمر عليهالسلام عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، لما طلق امرأته ، أن يراجعها ، وتلا هذه الآية تفسيرا للمراد بها ، وأن المراد بها الطلاق في قبل العدة. وكذلك كان يقرؤها عبد الله بن عمر ، ولهذا قال كل من قال بتحريم جمع الثلاث : أنه لا يجوز له أن يردف الطلقة بأخرى في ذلك الطهر لأنه غير مطلق للعدة ، فإن العدة قد استقبلت من حين الطلقة الأولى ، فلا تكون الثانية للعدة ، فلا يكون مأذونا فيها ، فإن العدة إنما تحسب من الطلقة الأولى ، لأنها طلاق للعدة بخلاف الثانية والثالثة. ومن جعله مشروعا قال : هو الطلاق لتمام العدة ، والطلاق لتمام العدة ، والطلاق لتمامها كالطلاق لاستقبالها ، وكلاهما طلاق للعدة. وأصحاب القول الأول يقولون : المراد بالطلاق للعدة ، الطلاق لاستقبالها ، كما في القراءة الأخرى التي تفسر القراءة المشهورة (فطلقوهن في قبل عدتهن) قالوا فإذا لم يشرع إرداف الطلاق للطلاق ، قبل الرجعة ، أو العقد ، فأن لا يشرع جمعه معه أولى وأحرى. فإرداف الطلاق أسهل من جمعه ، ولهذا شرع الإرداف في الأطهار من لا يجوّز الجمع في الطهر الواحد.
وقد احتج عبد الله بن عباس على تحريم جمع الثلاث بهذه الآية. قال مجاهد : كنت عند ابن عباس فجاء رجل فقال إنه طلق امرأته ثلاثا ، فسكت حتى ظننت أنه رادّها. ثم قال ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة ، ثم يقول : يا ابن عباس!