بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (٣) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) (٤)
(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) افتتح تعالى هذه السورة بالقسم ببعض مخلوقاته ، إظهارا لعظم شأنها وكبر فوائدها. وتنبيها إلى الاعتبار بصفتها وما تستدعيه من سمتها. و (الصافات) جمع صافة ، أي طائفة صافة ، أو جماعة صافة. فيكون في المعنى جمع الجمع. أو على تأنيث مفردة باعتبار أنه ذات ونفس ، والمراد بالصفات الملائكة. لقيامها مصطفة في مقام العبودية لمالك الملك. من قوله تعالى : (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) [الصافات : ١٦٥] ، أو لصفها أجنحتها في الهواء واقفة منتظرة لأمر الله تعالى. و (فَالزَّاجِراتِ) أي : الناس عن المعاصي ، بإلهام الخير. من (الزجر) بمعنى المنع والنهي. أو الزاجرات الأجرام العلوية والسفلية بالتدبير المأمور به. من (الزجر) بمعنى السوق والحث. و (التاليات) أي : آياته تعالى على أنبيائه عليهمالسلام ، وقيل : الصافات الطير. من قوله تعالى : (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) [النور : ٤١] ، و (الزاجرات) ، كل ما زجر عن معاصي الله. و (التاليات) كل من تلا كتاب الله. أو هم العلماء الصافون في العبادات أقدامهم ، الزاجرون عن الكفر والفسوق بالحجج والنصائح ، التالون آيات الله وشرائعه. أو هم الغزاة الصافون في الجهاد والزاجرون الخيل أو العدوّ ، التالون لذكر الله ، لا يشغلهم فيها عنه مبارزة العدوّ. وقد ذكر غير هذا ، مما يشمله اللفظ ولا يأباه. وبالجملة ، فالعطف إما لاختلاف الذوات أو الصفات. وإيثار الفاء على (الواو) لقصد الترتيب والتفاضل طردا أو عكسا. أما الأول فاعتناء بالأهم فالأهم. وأما الثاني فالترقي إلى الأعلى. و (صفا) و (زجرا) مصدر مؤكد. وكذا (ذكرا) ويجوز فيه كونه مفعولا به. قال الناصر : وفي هذه الآية دلالة على مذهب سيبويه والخليل في مثل (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) [الليل : ١ ـ ٢] ، فإنهما يقولان : الواو الثانية وما بعدها عواطف. وغيرهما يذهب إلى أنها حروف قسم. فوقوع الفاء في هذه الآية موقع