فِي الْآخِرِينَ) أي ذكرا جميلا بعدي ، أذكر به ويقتدى بي في الخير كما قال تعالى : (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [الصافات : ١٠٨ ـ ١١٠].
قال القتيبيّ : وضع اللسان موضع القول على الاستعارة ، لأن القول يكون به ، وقد تكني العرب به عن الكلمة. وعليها حمل قول الأعشى :
إنّي أتتني لسان لا أسرّ بها |
|
من علو ، لا عجب منها ولا سخر |
وجوّز أن يكون المعنى : واجعل لي صادقا من ذريتي ، يجدّد أصل ديني ويدعو الناس إلى ما كنت أدعوهم إليه من التوحيد. وهو النبيّ صلىاللهعليهوسلم. ولذا قال صلىاللهعليهوسلم (١) : «أنا دعوة أبي إبراهيم» ، فالكلام بتقدير مضاف. أي صاحب لسان صدق. أو مجاز بإطلاق الجزء على الكل ، لأن الدعوة باللسان.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) (٨٦)
(وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ وَاغْفِرْ لِأَبِي) أي بهدايته وتوفيقه للإيمان. كما يلوح به تعليله بقوله (إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) أي طريق الحق.
قال الحافظ ابن كثير. قوله (وَاغْفِرْ لِأَبِي) إلخ .. كقوله : (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) [إبراهيم : ٤١] ، وهذا مما رجع عنه إبراهيم عليهالسلام كما قال تعالى : (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) [التوبة : ١١٤] ، إلى قوله : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) وقد قطع تعالى الإلحاق في استغفاره لأبيه ، فقال تعالى : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) [الممتحنة : ٥] ، إلى قوله : (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (٨٩)
(وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) أي لا تلحق بي ذلّا وهوانا يومئذ (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ٤ / ١٢٧ ، عن العرباض بن سارية ، بهذا النص : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إني عبد الله لخاتم النبيين ، وإن آدم عليهالسلام لمنجدل في طينته ، وسأنبئكم بأول ذلك. دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى بي ورؤيا أمي التي رأت ، وكذلك أمهات النبيين يرين».