القول في تأويل قوله تعالى :
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) (٧٤)
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ) أي من بعد نوح (رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ) يعني هودا وصالحا وإبراهيم ولوطا وشعيبا ، (فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي الآيات الدالة على صدقهم ، المفيدة هدايتهم (فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) أي بسبب تعوّدهم تكذيب الحق ، وتمرنهم عليه. لأنهم كانوا قبل بعثة الرسل أهل جاهلية ، مكذبين بالحق فحالهم بعدها ، كحالهم قبلها ، هذا على أن ضمير (كانوا) و (كذّبوا) لقوم الرسل. وجاز عود ضمير (كانوا) لقوم الرسل ، و (كذّبوا) لقوم نوح. أي ما كان قوم الرسل ليؤمنوا بما كذب به قوم نوح أي بمثله. (كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) أي المجاوزين مقتضيات حقائق الأشياء بخذلانهم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) (٧٥)
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) أي من بعد هؤلاء الرسل (مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا) يعني التسع (فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) أي كفار ذوي آثام عظام.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) (٧٦)
(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) يعني الآيات المزيحة للشك (قالُوا) يعني من فرط التمرد (إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) أي تلبيس ظاهر.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ) (٧٧)
(قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ) أي على وجه لم يترك لكم شبهة ، مقالتكم الحمقى ، من أنه سحر ، فحذف المحكيّ المقول لدلالة الكلام عليه. ثم قال : (أَسِحْرٌ هذا) استفهام إنكار من قول موسى لا من قولهم. فهو مستأنف لإنكار