طيرته الريح العاصف. وقوله تعالى : (لا يَقْدِرُونَ ...) إلخ ، مستأنف فذلك للتمثيل بمعنى المقصود منه ومحصل وجهه ، أي : لا يقدرون يوم القيامة مما كسبوا من أعمالهم على شيء منها ، أي لا يرون له أثرا من ثواب ، كما لا يقدر ، من الرماد المطير في الريح ، على شيء.
قال أبو السعود : الاكتفاء ببيان عدم رؤية الأثر لأعمالهم للأصنام ، مع أن لها عقوبات هائلة ، للتصريح ببطلان اعتقادهم وزعمهم أنها شفعاء لهم عند الله تعالى. وفيه تهكم بهم. وفي توصيف الضلال بالبعد ، إشارة إلى بعد ضلالهم عن طريق الحق أو عن الثواب.
(واشتد به) من (شدّ) بمعنى عدا والباء للتعدية أو ملابسة. أو من (الشدة) بمعنى القوة أي : قويت بملابسة حمله. و (العصف) قوة هبوب الريح. وصف به زمانها على الإسناد المجازيّ ك (نهاره صائم) وخبر (مثل) محذوف أي : فيما يتلى عليكم. وجملة (أعمالهم كرماد) مستأنفة جوابا لسؤال : كيف مثلهم؟ أو (أعمالهم) بدل من (مثل) و (كرماد) الخبر.
وهذه الآية كقوله تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣] ، وقوله تعالى : (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ، وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [آل عمران : ١١٧]. وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً ، لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا ، وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) [البقرة : ٢٦٤].
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) (٢٠)
(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ، إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) ، (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) الخطاب للرسول صلوات الله عليه ، والمراد به أمته. أو لكل أحد من الكفرة لقوله (يذهبكم) والرؤية رؤية القلب.