كأنه قيل : دع ذكر ما كنا فيه من الدلائل على فساد قولهم. لأنه زين لهم كفرهم ومكرهم ، فلا ينتفعون بهذه الدلائل.
وقوله تعالى :
(وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ) أي : عن سبيل الله ، وقرئ بفتح الصاد أي : صدوا الناس (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) أي : يخلق فيه الضلال بسوء اختياره ، أو يخذله (فَما لَهُ مِنْ هادٍ) أي : من أحد يهديه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) (٣٤)
(لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وهو ما نالهم على أيدي المؤمنين ، أو ما فيه من عذاب الحيرة والضلّة. فإن نفس غير المؤمنين في نكد مستمر وداء دويّ لا برء له إلّا الإيمان. كما فصل في موضع آخر (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ) أي : من عذاب الدنيا كمّا وكيفا (وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) أي : حافظ يعصمهم من عذابه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ) (٣٥)
(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) أي عن الكفر والمعاصي (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ، أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها ، تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا ، وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ).
في الآية وجوه من الإعراب :
(الأول) : أن (مثل) مبتدأ خبره محذوف ، أي : فيما يقص ويتلى عليكم صفة الجنة ، وجملة (تجري) مفسرة أو مستأنفة استئنافا بيانيا أو حال من ضمير (وعد) أي : وعدها مقدرا جريان أنهارها. وهذا الوجه سالم من التكلف ، مع ما فيه من الإيجاز والإجمال والتفصيل. وقدّر الخبر فيه مقدما لطول ذيل المبتدأ ، أو لئلا يفصل به بينه وبين ما يفسره ، أو هو كالمفسّر له.
(الثاني) : أن خبره (تجري) ـ على طريقة قولك : صفة زيد أسمر ـ قيل : هو غير مستقيم معنى ، لأنه يقتضي أن الأنهار في صفة الجنة. وهي فيها ، لا في صفتها.