ولمّا بيّن سبحانه شأن كلّ من الحق والباطل حالا ومآلا ، تأثره ببيان حال أهل كلّ منهما مآلا. ترغيبا وترهيبا. بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (١٨)
(لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) أي : للمؤمنين الذين استجابوا لربهم بطاعته وطاعة رسوله ، المثوبة الحسنى كما قال تعالى : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) [يونس : ٢٦] ، فالحسنى مبتدأ قدم عليه خبره الموصول (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ) وهم الكفرة (لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) أي : بما في الأرض ومثله معه من أصناف الأموال ، ليتخلّصوا عما بهم ، وفيه من تهويل ما يلقاهم ما لا يحيط به البيان ولأجله عدل عن أن يقال : وللذين لم يستجيبوا السوءى ، كما تقتضيه المقابلة (أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ) أي : في الدار الآخرة. فيناقشون على الجليل والحقير (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) أي : المستقر. وفي قوله : (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) إشعار بتفسير الحسنى بالجنة ، لانفهامها من مقابلتها.
القول في تأويل قوله تعالى :
(أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) (١٩)
(أَفَمَنْ يَعْلَمُ) أي يصدّق (أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) يعني القرآن (الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى) أي : كمن لا يعلم ذلك ، إلا أنه أريد تقبيح حاله فعبّر عنه بالأعمى (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) أي : العقول المبرأة عن مشايعة الإلف ومتابعة الوهم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) (٢٠)
(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) أي : مما كلفهم به (وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) أي : ما وثقوه على أنفسهم وقبلوه من الإيمان بالله وغيره من المواثيق بينهم وبين العباد ، وهو تعميم بعد تخصيص ، وفيه تأكيد للاستمرار المفهوم من صيغة المستقبل ـ أفاده أبو السعود.