تنبيه :
قال السيوطي في (الإكليل) : في هذه الآية ـ على ما روي عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما ـ أن العين حق (١) ، وأن الحذر لا يردّ القدر. ومع ذلك لا بد من ملاحظة الأسباب. انتهى.
وقال بعض اليمانين : لهذه الجملة ثمرات وهي : استحباب البعد عن مضارّ العباد ، والحذر عنها. فأما فعل الله تعالى فلا يغني الحذر عنه. ثم قال : وفي (التهذيب) أن أبا عليّ أنكر الضرر بالعين ، وهو مروي عن جماعة من المتكلمين.
وصحح الحاكم والأمير الحسين وغيرهما جواز ذلك ، لأخبار وردت فيها.
ثم قال : واختلف من أين أتت المضرة الحاصلة بالعين ، فمن قائل : بأنه يخرج من عين العائن شعاع يتصل بمن يراه ، فيؤثر فيه تأثير السم. وضعفه الحاكم بأنه لو كان كذلك ، لما اختص ببعض الأشياء دون بعض ، ولأن الجواهر متماثلة ، فلا يؤثر بعضها في بعض. ومن قائل : بأنه فعل العائن. قال : وهذا لا يصح ، لأن الجسم لا يفعل في جسم آخر شيئا إلا بمماسّته ، أو ما في حكمها من الاعتمادات ، ولأنه لو كان فعله ، وقف على اختياره. ومن قائل : بأنه فعل الله ، أجرى الله العادة بذلك لضرب من الإصلاح. وصحح هذا الحاكم ، وهو الذي ذكره الزمخشري والأمير الحسين ، وهو قول أبي هاشم ، ذكره عنهما في (التهذيب) انتهى.
وقد أوضحه الرازي : بقوله : قال أبو هاشم وأبو القاسم البلخي : إنه لا يمتنع أن تكون العين حقّا ، ويكون معناه أن صاحب العين إذا شاهد الشيء وأعجب به استحسانا كان المصلحة له في تكليفه أن يغير الله ذلك الشخص ، وذلك الشيء حتى لا يبقى قلب ذلك المكلف متعلقا به ، فهذا المعنى غير ممتنع. ثم لا يبعد أيضا أنه لو ذكر ربه عند تلك الحالة ، وعدل عن الإعجاب ، وسأل ربه أن يقيه ذلك ، فعنده تتعيّن المصلحة. ولما كانت هذه العادة مطّردة ، لا جرم قيل : العين حق. انتهى.
أقول : وقد بسط الإمام ابن القيّم في (زاد المعاد) هذا البحث بما يشفي ويكفي ، في (بحث هديه صلىاللهعليهوسلم في علاج العين) بعد إيراده ما روي في الصحيحين وغيرهما من حقيّة العين ، وشهرة تأثيرها عند العرب ، قال :
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : الطب ، ٣٦ ـ باب العين حق ، حديث ٢٢٦٣ ، عن أبي هريرة.