قارون ودمّرهم وما جمعوا ، وأماتهم فلم ينفعهم المال ، وكانوا فى الآخرة فى عذاب مقيم ، فما كسبوا الدنيا ولا الآخرة ، وما استعتبوا فى الدنيا ، وما كانوا من المعتبين فى الآخرة ، وأمثال قارون ومن نمط شخصيته لهم سمات المجرمين يعرفهم بها الناس فى الدنيا ، وتميّزهم بها الملائكة فى الآخرة ، كقوله : (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ) (محمد ٣٠) ، وقوله : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) (الرحمن ٤١) ، لا يحسدهم فى الدنيا عاقل ولا مؤمن ، وكان كلما خرج على قومه فى زينته ، تمنّى الضعفاء والموتورون لو يكون لهم مثل حظه ، وقالوا فيه إنه ذو حظ عظيم ، وهال أهل العلم والدراية ما تردّى إليه الناس من أفكار فى قارون فيها الكفر الصريح ، وحذروهم من فتنته ، فثواب الله خير لهم من كل المال لو آمنوا وعملوا صالحا ، والأولى بهم أن يصبروا على ما قسم لهم من معيشتهم ، ويثابروا على العمل الصالح ولهم الجنة ، واشتدت على الناس «فتنة قارون» ، فخسف الله به وبداره الأرض ، وما نفعه ماله ولا أتباعه ، وما نصروه من غضب الله ، وأصبح الذين تمنّوا مكانه بالأمس يقولون : (وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ) (٨٢) (القصص) ، و «وى» تقال للتعجب والندم ، فما تمنّوه بالأمس كان خطئا بعد ما شاهدوا ما نزل بقارون من الخسف ، وندموا على ما صدر منهم من التمنى ، فليس ما يستحق العجب ثراء قارون ، وإنما صنع الله فى الكون والبشر ، وكيف أنه تعالى يوسّع الرزق لمن يشاء بحسب مشيئته وحكمته ، وليس لكرامة هذا أو ذاك ، ويضيّق الرزق على من يشاء بحكمته وقضائه ، ابتلاء لا لهوانه عليه. ولو لا أن الله منّ على الناس الذين تمنّوا مثل حظ قارون ، لخسف بهم ، ولكان مصيرهم كمصير قارون ، والعجب فى فعل الله أن الكافرين لا يفوزون فى الدنيا ولا فى الآخرة. وهكذا تنتهى قصة قارون ، وهى قصة طغيان المال ، كما أن قصة فرعون هى قصة طغيان السلطة ، وقصة هامان هى قصة طغيان القوة وتختتم القصة بحاشية على أحداثها القصص الثلاث ، تقول : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٨٤) (القصص) ، فالدار الآخرة التى يسمع بها الناس هى «تلك الدار» (والإشارة بتلك للتفخيم والتعظيم) التى قيل فيها ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، قد جعلها الله للذين لا يريدون علوا فى الأرض كعلو وتكبّر هؤلاء الثلاثة مضرب الأمثال : قارون وفرعون وهامان ، وهى العاقبة ولا تكون إلا للمتقين الذين يخشون الله ، والحسنات عند الله مضاعفة ، بينما لا يجزى الذين يعملون السيئات إلا ما عملوا بلا زيادة ولا نقصان.