ويذكر من الأدب الشعبى فى مصر أن البحيرة فى الفيوم التى اسمها بحيرة قارون ، نسبة إلى قارون موسى ، ولم يحدث أن سكن قارون الفيوم ولا امتلك بحيرة فيها ، وإنما سميت كذلك بحسب القصة القرآنية ، فأرض الفيوم منطقة زلازل ، والأرض هبطت نتيجة لواحدة من هذه الزلازل ، وتكوّن تجويف البحيرة وامتلأ بالماء لانخفاضه عن سطح البحر ، ولتشابه الخسف الذى جرى لقارون بالخسف الذى جرى للأرض فى الفيوم ، وتكوين البحيرة فيه من ثم ، سميت البحيرة باسم قارون ، والصحيح أن لا صلة لها بقارون العبرانى هذا!
* * *
٨٤٦. قصة سورة غافر عن موسى ومؤمن آل فرعون
لم يذكر القرآن «لمؤمن آل فرعون» اسما غير هذا الاسم ، فكان مادة خصبة للإسرائيليات. ولمّا كان اسم فرعون من الأسماء الأشورية وليس اسما مصريا ، وكانت قصة موسى معه لتخليص بنى إسرائيل ، وكان هؤلاء يسكنون أرض جاسان ، وهى الإقليم الشرقى من مصر ، وكان «مؤمن آل فرعون» هذا من أقارب فرعون ، فإنه لا يكون لذلك مصريا. وسمّاه المفسرون بهذا الاسم من الآية : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) (غافر ٢٨). والمشهد الذى تجرى عليه القصة هو أرض جاسان التى احتلها الهكسوس ، أو الملوك البدو أو الرعاة ، أو العماليق ؛ وطرفا القصة : موسى وهارون فى طرف ، والاثنان عبريان ، وفرعون وهامان وقارون فى الطرف المقابل ، والاثنان آشوريان ، والثالث عبرانى متحالف معهما. ولم يكن قوم موسى مصريين ، ولا كان الأشوريون المحتلون لجاسان من قومه ، وإنما قومه هم العبرانيون أو بنو إسرائيل ، جاء يخلصهم ـ ليس من المصريين ، وإنما من الأشوريين. وموسى نفسه كما فى السورة تربّى فى جاسان فى كنف أحد الفراعنة من العماليق ، ولما ضرب واحدا من أعدائه انتصارا للعبرانى المستضعف لم يذكر القرآن أن الذى من عدوه كان مصريا ، وتقول الآية : (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) (القصص ١٥). وإذن فنحن إزاء أحداث جميع شخوصها من الأجانب ، و «مؤمن آل فرعون» كان أجنبيا ، ولذلك كان عجيبا أن يقول المفسرون العرب أن اسمه كان حبيب النجار ، يعنى كان عربيا! وقالوا اسمه شمعون ، أو سمعان ، أو حزقيل ، يعنى كان عبرانيا! وكيف يكون عربيا أو عبرانيا وهو من آل فرعون؟ والآل هم الأهل والأقارب والأتباع والأشياع. وقالوا كان قبطيا ـ يعنى مصريا ، وليس