يسلموا من جشعه وأذاه. ونمط قارون هو نمط الرأسمالى الدائب على جمع المال ، وفى سبيل المال استخفّ قومه ، وتكبّر عليهم ، وكان يعمل للفرعون محتسبا على بنى إسرائيل ، وهؤلاء كانوا يسكنون أرض جاسان من مصر (محافظة الشرقية الآن). أقطعهم إياها من قديم يوسف ، وغزاها الأشوريون وحكموها باسم الهكسوس كما أسماهم المؤرخ العبرانى مانيتو ، والهكسوس كانوا ملوكا رعاة ومحاربين ، وأطلقوا على أنفسهم اسم عماليق أو الجبابرة ، وأذاع العبرانيون اسمهم الفراعنة ، ككسرى والكياسرة ، وقيصر والقياصرة ، ولم يكن اسم الفرعون مصريا ، وما لقّب أحد من ملوك مصر باسم الفرعون ، وإنما انتشر الاسم بتأثير التوراة التى ورد بها ، وبلغ من غزو التوراة للفكر العالمى أن العالم صار يسمى ملوك مصر باسم الفراعنة ، وفسّر مفسّرو القرآن ، وقد تأثروا بالإسرائيليات ، الفرعون بأنه ملك مصر ، رغم أن هناك أكثر من دليل فى القرآن على أن قصة موسى والفرعون لم تجر فى أرض مصر وإنما فى جاسان. وقارون كان من العبرانيين سكان جاسان. وقارون كان من العبرانيين سكان حاسان. وقال تعالى فى ثرائه : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) (القصص ٧٦) يعنى مفاتيح خزائن ماله من الكثرة حتى أن ثقلها لينوء بالعصبة أولى القوة ، فما بالك بالكنوز نفسها؟ والعصبة عشرة كما فى سورة يوسف فى قوله تعالى : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) (يوسف ٨) ، وهم إخوة يوسف العشرة بدونه. وهذا المال الكثير كان يسعده كسعادة تشايلوك فى مسرحية تاجر البندقية لشكسبير ، وجمع المال عند الجامع له ، اضطراب نفسى أكيد وليس مجرد عادة راسخة أو شطارة ، فالمال يشعره بتفوّقه ويشبع عقدة النقص فيه ، ولذا يسلك جامع المال أول ما يسلك ببطر وعجرفة ، والمال وجمعه يعطيانه ثقة ، ويجعلانه يعلو على الناس ويتكبّر ويزدريهم ، فلما تأذّى به قومه نصحوه أن لا ينسى الله الذى خلقه ، ولا يهمل أداء حق الناس فيما رزقه ، وكأنهم قالوا له إن المال مال الله وليس ماله ، وإنما رزق به اعتباطا وليس لذكائه ودرايته. وانبرى للدفاع عن نفسه ، ليثبت أنه جمع هذا المال بجهده وعرقه ، وبقدراته وفهمه لأصول التجارة ، وبطرق إدارة الأعمال والتعامل مع الناس ، ووقف قارون فى جانب وسواد الناس فى الجانب الآخر ، وقارون يصرّ على أن المال ماله ولا حقّ لله وللناس فى شىء منه ، وما كان يرى الإحسان ولا الزكاة ولا الصدقة ، ويعتبرها طرق احتيال يحتال بها أهل الدين ليعطوا الفقراء الخاملين مالا لم يجمعوه ، وما درى أن ما به هو غرور العظمة ، وأن التاريخ فيه من أمثاله كثيرون ، كانوا أشد منه ذكاء ، وأكثر جمعا ، ولو كان قارون حقا قد جمع هذا المال لخصائص فيه لاستطاع أن يحافظ عليه بمواهبه ، ولكن الله يوزّع الثروات فى الكون كيف يشاء وله حكمته. وقد غضب الله على من سبقوا