وهو تعبير كذلك ذو ظلال وايحاءات أوسع من ألفاظه .. ومجرد خطوره على القلب يفتح أمامه صفحة أعماله بل صفحة حياته ، ويمد ببصره في سطورها كلها يتأملها وينظر رصيد حسابه بمفرداته وتفصيلاته ، لينظر ماذا قدم لغده في هذه الصفحة .. وهذا التأمل كفيل بأن يوقظه الى مواضع ضعف ومواضع نقص ومواضع تقصير ، مهما يكن قد أسلف من خير وبذل من جهد. فكيف اذا كان رصيده من الخير قليلا ، ونصيبه من البر ضئيلا؟. انها لمسة لا ينام بعدها القلب أبدا ولا يكف عن النظر والتقليب.
ولا تنتهي الآية التي تثير كل هذه المشاعر حتى تلح على القلوب المؤمنة بمزيد من الايقاع : «واتقوا الله ان الله خبير بما تعلمون».
فتزيد هذه القلوب حساسية ورهبة واستحياء .. والله خبير بما يعملون ..
وبمناسبة ما تدعوهم اليه هذه الآية من يقظة وتذكر يحذرهم في الآية التالية من أن يكونوا «كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم» .. وهي حالة عجيبة. ولكنها حقيقة .. فالذي ينسى الله يهيم في هذه الحياة بلا رابطة تشده الى أفق أعلى ، وبلا هدف لهذه الحياة يرفعه عن السائمة التي ترعى. وفي هذا نسيان لانسانيته وهذه الحقيقة تضاف اليها أو تنشأ عنها حقيقة أخرى. وهي نسيان هذا المخلوق لنفسه فلا يدخر لها زادا للحياة الطويلة الباقية ، ولا ينظر فيما قدم لها في الغداة من رصيد.
«أولئك هم الفاسقون» .. المنحرفون الخارجون.
وفي الآية التالية يقرر أن هؤلاء هم أصحاب النار ، ويشير للمؤمنين ليسلكوا طريقا غير طريقهم وهم أصحاب الجنة. وطريق أصحاب الجنة غير طريق أصحاب النار :