وكل ذلك تذكير لأهل الكتاب بما عندهم من العلم بأمر هذا النبي الكريم ، وإقامة المحجة عليهم ، لأن أكثر ذلك معطوف على (اذْكُرُوا) في قوله (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ) [البقرة : ٤٠] ولما ذكر إمامته عليهالسلام ، ذكر ما يؤتم به فيه ، وهو سبب اصطفائه ، وصلاحه ، وذلك دينه ، وما أوصى به بنيه ، وما أوصى به بنوه بنيهم سلفا عن خلف ، ولا سيما يعقوب عليهالسلام المنوه بنسبه أهل الكتاب إليه فقال :
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ)(١٣١)
(إِذْ) أي اصطفيناه لأنه (قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ) أي لربك ، أي انقد له ، وأخلص نفسك له ، أو استقم على الإسلام ، واثبت على التوحيد (قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) وظاهر النظم الكريم أن القول حقيقيّ ، وليس في ذلك مانع ، ولا ما جاء ما يوجب تأويله. وقول بعضهم : هو تمثيل ، والمعنى : أخطر بباله دلائل التوحيد المؤدية إلى المعرفة الداعية إلى الإسلام ـ ليس بشيء. ولا معنى لحمل شيء من الكلام على المجاز ، إذا أمكنت فيه الحقيقة بوجه ما.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ
إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(١٣٢)
(وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ) شروع في بيان تكميله عليهالسلام لغيره ، إثر بيان كماله في نفسه. والتوصية التقدم إلى الغير في الشيء النافع المحمود عاقبته. والضمير في (بِها) إما عائد لقوله : (أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) على تأويل الكلمة والجملة. ونحوه رجوع الضمير في قوله (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً) [الزخرف : ٢٨] إلى قوله : (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) [الزخرف : ٢٦ ـ ٢٧] ، وقوله : (كَلِمَةً) دليل على أن التأنيث على تأويل الكلمة. وإما عائد إلى الملة في قوله : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ) ، وأيّد الأول بكون الموصى به مطابقا في اللفظ لأسلمت ، وقرب المعطوف عليه. ورجح القاضي الثاني لكون المرجع مذكورا صريحا ، وردّ الإضمار إلى المصرح بذكره ، إذا أمكن ، أولى من رده إلى المدلول والمفهوم. ولكون الملة أجمع من تلك الكلمة. والكل حسن. وقوله تعالى (بَنِيهِ)