بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ترجمة المؤلف
١ ـ عصر المؤلف :
عاش القاسمي معظم حياته في أشد أيام الظلم والظلام. فقد ولد ونظام الحكم المطلق قائم في الدولة العثمانية ، فالحريات بجميع أنواعها مفقودة ، والأقلام مغلولة ، والأحرار مطاردون ، والدستور معلق ، وأعوان السلطان مبثوثون في كل مكان ، والجاسوسية تفتك بالأبرياء ، والعدالة تكاد تكون مفقودة لفساد النظام القضائي ، وشراء مراكز القضاء.
في هذا الجو السياسي الخانق عاش القاسمي معظم حياته.
أما الحياة الثقافية في ولاية سورية فكانت أشبه بالمفقودة ، فلا مدارس ، ولا معاهد ، ولا جامعات ، واعتماد القلة من الناس على الكتاتيب وحلقات الجوامع والدروس الخاصة في البيوت. جهل مطبق فرضته الدولة على الناس ، ليعيشوا في جوّ من الظلام والغباء ، وليسهل على حكامها ومستغليها اضطراد الأمور في مسلك من الظلم والبطش والخنوع.
وكان حال الحياة الدينية نتيجة طبيعية للحياة الثقافية : جمود على القديم ، وكتب صفراء يتداولها الطلاب ، ومتون كثيرا ما يحفظونها من غير فهم ، وحواش وتعليقات تزيد في اضطراب عقول الطلاب. وتقليد أعمى غلت معه العقول ، حتى كتب الحديث ما كانت تقرأ على الأغلب إلا للتبرك ، أما كتب التفسير فممتنعة عن الخاصة بله العامة.
وحسب الرجل أن يقرأ بعض كتب الفقه ، ليعتمّ ويقال إنه عالم. وكتب اللغة والنحو والصرف والأدب يقرؤها بعض الطلاب ؛ على أنها أداة لفهم الكتاب والسنّة.
وقد كانت الطرق في ذلك العصر في أوج انتشارها ، يعتنقها بعض رجال الدين ، ويجمعون العامة حولهم ، ويشغلونهم عن العمل النافع لإقامة المجتمع الإسلامي الصالح. وقد تعددت هذه الطرق تعدد الأحزاب السياسية ، وقامت بين زعمائها خصومات واتهامات لا يكاد يصدقها العقل.