تفيد صيغة الجمع أن لإبراهيم عليهالسلام من الولد غير إسماعيل وإسحاق. وقرأت في سفر التكوين من التوراة أن إبراهيم عليهالسلام تزوج ، بعد وفاة سارة أم إسحاق ، امرأة أخرى اسمها قطورة ، فولدت له : زمران ويقشان ومدان ومديان ويشباق وشوحا ، فعلى هذا تكون بنوه عليهالسلام ثمانية (وَيَعْقُوبُ) معطوف على إبراهيم ، ومفعوله محذوف تقديره : ووصى يعقوب بنيه. لأن يعقوب أوصى بنيه أيضا كما أوصى إبراهيم بنيه. ودليل ذلك قوله تعالى : (إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي) [البقرة : ١٣٣] ، كما سيأتي. وقرئ (وَيَعْقُوبُ) بالنصب عطفا على بنيه ، ومعناه : ووصى بها إبراهيم بنيه ، ونافلته يعقوب. وقد ولد يعقوب في حياة جده إبراهيم ، وأدرك من حياته خمس عشرة سنة ، كما يستفاد من سفر التكوين من التوراة ، فإن فيها أن إبراهيم عليهالسلام ، ولد له إسحاق وهو ابن مائة سنة ، ومات وهو ابن مائة وخمس وسبعين سنة ، وكان لإسحاق ، حين ولد له يعقوب وعيسو ، ستون سنة ، فاستفيد من ذلك ما ذكرناه. ولوجود يعقوب في حياة جده يفهم سر ذكره في قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) [الأنعام : ٨٤] ، وفي آية أخرى (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً) [العنكبوت : ٢٧]. (يا بَنِيَ) أي قال كل من إبراهيم ويعقوب ، على القراءة الأولى. وعلى الثانية : قال إبراهيم : يا بنيّ (إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ) أعطاكم الدين الذي هو صفوة الأديان ، وهو دين الإسلام ، الذي لا دين غيره عند الله تعالى (فَلا) أي فتسبب عن ذلك أني أقول لكم : لا (تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) وفي هذه الجملة إيجاز بليغ. والمراد : الزموا الإسلام ، ولا تفارقوه حتى تموتوا. وهذا الاستثناء مفرغ من أعم الأحوال ، أي لا تموتوا على حالة إلا على حال كونكم ثابتين على الإسلام. فالنهي في الحقيقة عن كونهم على خلاف حال الإسلام إذا ماتوا ، لأنه هو المقدور. فلا يقال : صيغة النهي موضوعة لطلب الكف عما هو مدلولها ، فيكون المفهوم منه النهي عن الموت على خلاف حال الإسلام ، وذا ليس بمقصود ، لأنه غير مقدور. وإنما المقدور فيه هو الكون على خلاف حال الإسلام ، فيعود النهي إليه ، ويكون المقصود النهي عن الاتصاف بخلاف حال الإسلام وقت الموت ، لما أن الامتناع عن الاتصاف بتلك الحال يتبع الامتناع عن الموت في تلك الحال. فإما أن يقال : استعمل اللفظ الموضوع للأول في الثاني ، فيكون مجازا. أو يقال : استعمل اللفظ في معناه لينتقل منه إلى ملزومه ، فيكون كناية.
قال الزمخشريّ : ونظير ذلك قولك : لا تصلّ إلا وأنت خاشع ، فلا تنهاه عن الصلاة ، ولكن عن ترك الخشوع في حال صلاته. والنكتة في إدخال حرف النهي