والمد والإمداد واحد ، وأصله الزيادة إلا أن المدّ [أكثر](١) ما يأتي في الشر ، والإمداد في الخير ؛ قال الله تعالى في المدّ : (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا) [مريم : ٧٩] ، وقال في الإمداد : (وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) [الإسراء : ٦] [(وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ)](٢) [الطور : ٢٢]. (فِي طُغْيانِهِمْ) ، أي : في ضلالتهم ، وأصل الطغيان : مجاوزة الحدّ ، ومنه : طغى الماء. (يَعْمَهُونَ) ، أي : يتردّدون في الضلالة متحيّرين (٣).
(أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) : [أي اشتروا الكفر](٤) بالإيمان ، (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) ، أي : ما ربحوا في تجارتهم ، أضاف الربح إلى التجارة لأن الربح يكون فيها كما تقول العرب : ربح بيعك وخسرت صفقتك. (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) : من الضلالة ، وقيل : مصيبين في تجارتهم.
(مَثَلُهُمْ) : شبههم ، وقيل : صفتهم ، والمثل قول سائر في عرف الناس [يعرف](٥) به معنى الشيء ، وهو أحد أقسام القرآن السبعة ، (كَمَثَلِ الَّذِي) : يعني الذين بدليل سياق الآية ، ونظيره : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣)) [الزمر : ٣٣] ، (اسْتَوْقَدَ ناراً) : أوقد نارا ، (فَلَمَّا أَضاءَتْ) النار (ما حَوْلَهُ) ، أي : حول المستوقد ، وأضاء لازم ومتعدّ ، يقال : أضاء الشيء نفسه وأضاء غيره ، وهو هنا متعد ، (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ).
قال ابن عباس وقتادة ومقاتل والضحاك والسدي : نزلت في المنافقين يقول مثلهم في نفاقهم كمثل رجل أوقد نارا في ليلة مظلمة في مفازة فاستدفأ ورأى ما حوله فاتقى مما يخاف ، فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره فبقي في ظلمة خائفا متحيّرا ، فكذلك المنافقون بإظهار كلمة الإيمان أمنوا على أموالهم وأولادهم وناكحوا المؤمنين ووارثوهم وقاسموهم الغنائم ، فذلك نورهم ، فإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف.
وقيل : ذهاب نورهم في قبورهم (٦) ، وقيل : في القيامة حيث يقولون للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم ، وقيل : ذهاب نورهم بإظهار عقيدتهم على لسان النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فضرب النار مثلا ، ثم لم يقل : أطفأ الله نارهم (٧) لكن عبّر بإذهاب النور عنه ، لأن النار نور وحرارة فيذهب نورهم وتبقى الحرارة عليهم ، وقال مجاهد : إضاءة النار إقبالهم إلى المسلمين والهدى ، وذهاب نورهم إقبالهم إلى المشركين والضلالة.
وقال عطاء ومحمد بن كعب : نزلت في اليهود وانتظارهم خروج النبيّ صلىاللهعليهوسلم واستفتاحهم [به](٨) على مشركي العرب ، فلما خرج كفروا به ، ثم وصفهم الله فقال :
(صُمٌ) ، أي : هم صمّ عن الحق لا يقبلونه ، وإذا لم يقبلوا فكأنهم لم يسمعوا ، (بُكْمٌ) خرس عن الحق لا يقولونه (٩) ، أو (١٠) أنهم لما أبطنوا خلاف ما أظهروا فكأنهم لم ينطقوا بالحق ، (عُمْيٌ) ، أي : لا بصائر لهم ، ومن لا بصيرة له كمن لا بصر له ، (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) عن الضلالة إلى الحق.
(أَوْ كَصَيِّبٍ) ، أي : كأصحاب صيب ، وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى للمنافقين ، معناه (١١) : إن
__________________
(١) في المطبوع «كثيرا».
(٢) ما بين المعقوفتين ليس في المخطوط.
(٣) في المخطوط «متحيرون».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) كذا في المطبوع و ـ ب ـ وفي ـ أ ـ «يعرفون».
(٦) في المطبوع «القبر».
(٧) في المخطوط «نوره» بدل «نارهم».
(٨) زيادة في المطبوع.
(٩) في المخطوط «لا يقبلونه».
(١٠) في المخطوط «أي» بدل : أو.
(١١) في المطبوع «بمعنى».