اتفقتا أو اختلفتا ، والآخرون يحققون الأولى ويلينون الثانية في المختلفتين طلبا للخفة ، فإن كانتا متفقتين مثل : (هؤلاء ، وأولياء ، وأولئك ، وجاء أمر ربك) ، قرأ أبو عمرو والبزّي عن ابن كثير بهمزة واحدة ، وقرأ أبو جعفر وورش [والنواس](١) ويعقوب بتخفيف (٢) الأولى وتليين الثانية ، وقرأ قالون [بتخفيف الثانية](٣) لأن ما يستأنف أولى بالهمزة مما يسكت عليه.
(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا) ، يعني : هؤلاء المنافقين إذا لقوا المهاجرين والأنصار ، (قالُوا آمَنَّا) كإيمانكم (وَإِذا خَلَوْا) رجعوا ، ويجوز أن يكون من الخلوة ، و (إِلى) ، بمعنى : الباء ، أي : بشياطينهم ، وقيل : إلى بمعنى مع ؛ كما قال الله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) [النساء : ٢] أي : مع أموالكم. (شَياطِينِهِمْ) ، أي : رؤسائهم وكهنتهم ، قال ابن عباس : وهم خمسة نفر من اليهود : كعب بن الأشرف بالمدينة ، وأبو بردة في بني أسلم ، وعبد الدار في جهينة ، وعوف بن عامر في بني أسد ، وعبد الله بن السوداء (٤) بالشام ، ولا يكون كاهن إلا ومعه [شيطان](٥) تابع له ، والشيطان المتمرّد العاتي من الجنّ والإنس ومن كل شيء ، وأصله البعد ، يقال : بئر شطون ، أي : بعيدة العمق ، سمي الشيطان شيطانا لامتداده في الشر وبعده من الخير.
وقال مجاهد : إلى أصحابهم من المنافقين والمشركين ، (قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ) ، أي : على دينكم (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) بمحمد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه بما نظهر من الإسلام. قرأ أبو جعفر : (مستهزون ، ويستهزون ، وقل استهزءوا ، وليطفوا ، وليواطوا ، ويستنبونك ، وخاطين ، وخاطون ، ومتكين ومتكون فمالون ، والمنشون) (٦) بترك الهمزة فيهن.
(اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩))
(اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) ، أي : يجازيهم جزاء استهزائهم ، سمّي الجزاء باسمه لأنه [في](٧) مقابلته ، كما قال الله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] ، قال ابن عباس : هو أن يفتح لهم باب من الجنة فإذا انتهوا إليه سد عنهم وردّوا إلى النار. وقيل : هو أن يضرب للمؤمنين نور يمشون [به](٨) على الصراط فإذا وصل المنافقون إليه حيل بينهم وبين المؤمنين ، كما قال الله تعالى (٩) : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ) [الحديد : ١٣] الآية. وقال الحسن : معناه أن الله يظهر المؤمنين على نفاقهم. (وَيَمُدُّهُمْ) : يتركهم ويمهلهم ،
__________________
(١) في المطبوع «والقواش».
(٢) في المطبوع «بتحقيق».
(٣) العبارة في المطبوع «بتليين الأولى وتحقيق الثانية».
(٤) في المخطوط «الأسود».
(٥) زيد في المطبوع.
(٦) وقع في الألفاظ المتقدمة اضطراب في المطبوع حيث أثبت فوق الواو الهمزة أحيانا وحذفت أحيانا ، والصواب بحذفها جميعا كما هو معلوم من قراءة أبي جعفر. والله أعلم.
(٧) في المطبوع «ب» بدل «في».
(٨) زيادة عن المخطوط.
(٩) زيد في المطبوع عقب لفظ «تعالى» (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) وقال الله تعالى».