وهم الذين يعبدون الرب ، (فَما وَهَنُوا) أي : فما جبنوا ، (لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا) ، عن الجهاد بما نالهم من ألم الجراح ، وقتل الأصحاب. (وَمَا اسْتَكانُوا) ، قال مقاتل : وما استسلموا وما خضعوا لعدوهم ، وقال السدي : وما ذلوا ، وقال عطاء وما تضرعوا ، وقال أبو العالية : وما جبنوا ولكن صبروا على أمر ربّهم وطاعة نبيهم وجهاد عدوهم ، (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ).
(وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (١٤٧) فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٤٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (١٤٩))
. قوله تعالى : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ) ، نصب على خبر كان ، والاسم في أن قالوا ، ومعناه : وما كان قولهم عند قتل نبيهم ، (إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) أي : الصغائر ، (وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا) ، أي : الكبائر ، (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) ، كيلا تزول ، (وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) ، يقول فهلا فعلتم وقلتم مثل ذلك يا أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم.
(فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا) ، النصرة (١) والغنيمة ، (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) ، أي : الأجر والجنة ، (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا) ، يعني : اليهود والنصارى ، وقال علي رضي الله عنه ، يعني : المنافقين في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة : ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم ، (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) ، يرجعوكم إلى أول أمركم [من](٢) الشرك بالله ، (فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) ، مغبونين.
(بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٥٠) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (١٥١) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (١٥٢))
ثم قال : (بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) ، ناصركم وحافظكم على دينكم [الإسلام](٣) ، (وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ).
(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) وذلك أنّ أبا سفيان والمشركين لمّا ارتحلوا يوم أحد متوجهين نحو مكة انطلقوا حتى إذا بلغوا بعض الطريق ، ندموا وقالوا : بئس ما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشريد تركناهم ، ارجعوا فاستأصلوهم ، فلمّا عزموا على ذلك قذف الله في قلوبهم الرّعب ، حتى رجعوا عمّا همّوا به [فذلك قوله تعالى](٤) سنلقي أي : سنقذف في قلوب الذين كفروا الرعب ،
__________________
(١) في المخطوط «الأجر» وما يأتي يغني عنه هاهنا.
(٢) زيد في المطبوع.
(٣) زيد في المطبوع.
(٤) زيد في المطبوع.