الخوف قرأ أبو جعفر وابن عامر والكسائي ويعقوب (الرُّعْبَ) بضم العين ، وقرأ الآخرون بسكونها ، (بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) حجة وبرهانا ، (وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) ، مقام الكافرين.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) قال محمد بن كعب القرظي : لمّا رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه إلى المدينة من أحد [و] قد أصابهم ما أصابهم ، قال ناس من أصحابه : من أين أصابنا هذا؟ وقد وعدنا الله النصر ، فأنزل الله تعالى :
(وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ) بالنصر والظفر ، وذلك أن [النصر و](١) الظفر كان للمسلمين في الابتداء ، (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ).
ع [٤٦٥] وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم جعل أحدا خلف ظهره واستقبل المدينة وجعل عينين (٢) وهو جبل عن يساره وأقام عليه الرماة وأمّر عليهم عبد الله بن جبير ، وقال لهم : «احموا ظهورنا فإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا». وأقبل المشركون فأخذوا في القتال فجعل الرماة يرشقون خيل المشركين بالنبل ، والمسلمون يضربونهم بالسيوف ، حتى ولّوا هاربين.
فذلك قوله تعالى : (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) أي : تقتلونهم قتلا ذريعا بقضاء الله ، قال أبو عبيدة : الحسّ : الاستئصال بالقتل ، (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) أي : إن جبنتم ، وقيل : معناه فلما فشلتم ، (وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ) ، الواو زائدة في (وَتَنازَعْتُمْ) يعني : [حتى](٣) إذا فشلتم تنازعتم ، وقيل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : حتى إذا تنازعتم في الأمر وعصيتم فشلتم.
ومعنى التنازع الاختلاف ، وكان اختلافهم أنّ الرماة اختلفوا حين انهزم المشركون ، فقال بعضهم : انهزم القوم فما مقامنا؟ وأقبلوا على الغنيمة ، وقال بعضهم : لا تجاوزوا أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وثبت عبد الله بن جبير في نفر يسير دون العشرة ، فلما رأى خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل ذلك حملوا على الرماة فقتلوا عبد الله بن جبير وأصحابه ، وأقبلوا على المسلمين وحالت (٤) الريح فصارت دبورا بعد ما كانت صبا ، وانتفضت (٥) صفوف المسلمين واختلطوا فجعلوا يقتلون على غير شعار يضرب بعضهم بعضا ما يشعرون من الدهش ، ونادى إبليس [لعنه الله](٦) إن محمدا قد قتل ، فكان ذلك سبب هزيمة المسلمين.
قوله تعالى : (وَعَصَيْتُمْ) يعني : الرسول صلىاللهعليهوسلم وخالفتم أمره ، (مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ) الله (ما تُحِبُّونَ) يا معشر المسلمين من الظفر والغنيمة ، (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) ، يعني : الذين تركوا المركز وأقبلوا على النهب ، (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) ، يعني : الذين ثبتوا مع عبد الله بن جبير حتى قتلوا ، قال عبد الله بن مسعود : وما شعرت أن أحدا من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم يريد الدنيا حتى كان يوم أحد ، ونزلت هذه الآية (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ) ، أي : ردّكم عنهم بالهزيمة ، (لِيَبْتَلِيَكُمْ) ، ليمتحنكم ، وقيل : لينزل عليكم البلاء (وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ) ، فلم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة [منكم لأمر
__________________
ع [٤٦٥] ـ تقدم برقم : ٤٥٧.
__________________
(١) زيادة عن المخطوط و ـ ط.
(٢) كذا في المطبوع و ـ ط ، وفي المخطوط «عين».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع وحده «جاءت».
(٥) في المطبوع «وانقضت».
(٦) زيادة عن المخطوط.