الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلوا عليهم الجبل ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «اللهمّ لا يعلون علينا (١) اللهمّ لا قوّة لنا إلّا بك» ، وثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم (٢) ، فذلك قوله تعالى : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ).
وقال الكلبي : نزلت هذه الآية بعد يوم أحد حين أمر النبي صلىاللهعليهوسلم أصحابه بطلب القوم بعد ما أصابهم من الجراح (٣) ، فاشتدّ ذلك على المسلمين فأنزل الله تعالى هذه الآية ، دليله قوله تعالى : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ) [النساء : ١٠٤].
(إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر قزح بضم القاف حيث جاء ، وقرأ الآخرون بالفتح وهما لغتان معناهما واحد كالجهد والجهد ، وقال الفراء : [القرح](٤) بالفتح اسم للجراحة ، وبالضم اسم لألم الجراحة ، هذا خطاب مع المسلمين حيث انصرفوا من أحد مع الكآبة والحزن ، يقول الله تعالى : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) يوم أحد ، (فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ) ، يوم بدر ، (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ) ، فيوم لهم ويوم عليهم ، أديل المسلمون من المشركين يوم بدر حتى قتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين ، وأديل المشركون من المسلمين يوم أحد حتى جرحوا منهم سبعين وقتلوا خمسا وسبعين.
[٤٥٦] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عمرو (٥) بن خالد أنا زهير أخبرنا أبو إسحاق قال : سمعت البراء بن عازب يحدث قال : جعل النبي صلىاللهعليهوسلم على الرّجّالة يوم أحد وكانوا خمسين رجلا عبد الله بن جبير ، فقال : «إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم» ، فهزموهم ، قال : فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهن وأسوقهن رافعات ثيابهن ، فقال أصحاب عبد الله بن جبير : الغنيمة ، أي قوم الغنيمة ، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير : أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قالوا : والله لنأتينّ الناس فلنصيبن من الغنيمة ، فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين. فذلك قوله (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ) [آل عمران : ١٥٣] ، فلم يبق مع النبي صلىاللهعليهوسلم غير اثني عشر رجلا فأصابوا منّا سبعين. وكان النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة ، سبعين أسيرا وسبعين قتيلا ، فقال أبو سفيان : أفي القوم محمد ثلاث مرات ، فنهاهم النبي صلىاللهعليهوسلم أن يجيبوه ، ثم قال : أفي القوم ابن أبي قحافة ثلاث مرات ، ثم قال : أفي القوم ابن الخطاب ثلاث مرات ثم رجع إلى أصحابه ،
__________________
[٤٥٦] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ، عمرو بن خالد هو التميمي روى له البخاري ، وقد توبع ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، زهير هو ابن معاوية ، أبو إسحاق هو السّبيعي اسمه عمرو بن عبد الله.
ـ وهو في «شرح السنة» (٢٦٩٩) بهذا الإسناد.
ـ أخرجه المصنف من طريق البخاري وهو في «صحيحه» (٣٠٣٩) عن عمرو بن خالد بهذا الإسناد.
ـ وأخرجه البخاري ٤٠٤٣ وأبو داود ٢٦٦٢ والنسائي في «الكبرى» (١١٠٧٩) والطيالسي ٧٢٥ وأحمد ٤ / ٢٩٣ وابن سعد في «الطبقات» (٢ / ٤٧) وابن حبان ٤٧٣٨ والبيهقي في «الدلائل» (٣ / ٢٢٩ ـ ٢٣٠) من طرق عن زهير بن معاوية به.
__________________
(١) في المطبوع «يعلوه» وفي المخطوط «يعلن» والمثبت عن ـ ط و «أسباب النزول».
(٢) في المطبوع «هزموها».
(٣) في المطبوع وحده «الحرج».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) تصحف في المخطوط «عمير».